ولما انقضى التبشير مجزوماً به، اتبعه التحذير مخوفاً منه لطفاً بالعباد واستعطافاً لهم فقال :﴿وإن تولوا﴾ أى تلكفوا أنفسكم ضد ما طبعها الله عليه من سلامة الفطرة وسهولة الانقياد من الإعراض ولو أدنى درجاته بما اشار إليه حذف التاء ﴿فإني أخاف عليكم﴾ أي والعاقل من أبعد عن المخاوف ﴿عذاب يوم كبير*﴾ أي لكبر ما فيه من العذاب ممن قدر على إثباتكمن وخص اسم الرب تذكيراً بما له من النعم في الإيجاد والإنشاء والتربية ؛ ولماكان الاستغفار - وهو طلب الغفران - مطلوباً في نفسه لكنه لا يعتبر إلا إذا قرن بالتوبة، عطف عليه بـ ﴿ثم﴾ إشارة إلى عظيم رتبتها وعلى منزلتها وإت كان المراد بها الدوام عليها فجليل رتبته غير خفي، وفي التعبير عن العمل بالفضل إشارة إلى أنه لم يقع التكليف غلا بما في الوسع مع أنه من معالي الأخلاق، لأن الفضل في الأصل ما فضل عن الإنسان وتعانيه من كريم الشمائل، وما كان كذلك فهو في الذروة من الإحكام، لأنه منع الفعل من الفساد ؛ والحكيم من الحكمة وهي العلم بما يجمع عليه مما يمنع الفعل من الفساد والنفص، وبها يميز الحسن من القبيح والفاسد من الصحيح، وقد أشارت الآية إلى أن الاستغفار والتوبة سبب السعة ﴿ولو أنهم اقاموا التوارة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم﴾ [المائدة : ٦٦] وأن الإعارض سبب الضيق كما قال ﷺ :"إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" ﴿ويؤت كل ذي فضل فضله﴾ إشارة إلى ثواب الآخرة، فالتوبة سبب طيب العيش في الدنيا والآخرة.
وقال الإمام أبو جعفر ابنالزبير في كتابه في مناسبة هذه السورة للتي قبلها.
ولما كانت سورة يونس عليه السلام قد تضمنت - من آي التنبيه والتحريك للفطر ومن العظات والتخويف والتهديد والترهيب والترغيب وتقريع المشركين الجاحدين والقطع بهم
٥٠٠