ومناسبة هذا الافتتاح دعاء الخلق إلى الله في سورة البقرة بقوله تعالى :﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم﴾ [البقرة : ٢١] ثم قد نبهوا هنا كما نبهوا هناك فقال تعالى :﴿أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله﴾ [يونس : ٣٨] ثم تاكدت المراعظ والزواجر والإشارات إلى أحوال المكذبين والمعاندين، فمن التنبيه ﴿إن ربكم الله﴾ [يونس : ٣]، ﴿هو الذي جعل الشمس﴾ [سورة يونس، آية : ٥]، ﴿إن في اختلاف الليل والنهار﴾ [سورة يونس، آية : ٦]، ﴿قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده﴾ [يونس : ٣٤]، ﴿قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق﴾ [سورة يونس، آية : ٣٥]، ﴿قل انظروا ماذا في السماوات والأرض﴾ [سورة يونس، آية : ١٠١] - إلى غير هذا، وعلى هذا السنن تكررت العظات والأغراض المشار إليها في هذه السورة إلى قوله :﴿ياأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم﴾ [سورة يونس، آية : ١٠٨] فحصل مما تقدم تفصيل أحوال السالكين والمتنكبين، فلما تقررب هذا كله أتبع المجموع بقوله :﴿كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير﴾ وتأمل مناسبة الإتيان بهذين الاسمين الكريمين وهما ﴿الحكيم الخبير﴾ ثم تأمل تلاؤم صدر السورة بقوله :﴿يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم﴾ [سورة يونس، آية : ١٠٨] وقد كان تقدم قوله تعالى :﴿قد جاءتكم موعظة من ربكم﴾ [يونس : ٥٧] فأتبع قوله :﴿قد جاءكم الحق من ربكم﴾ بقوله في صدر سورة هود ﴿كتاب أحكمت آياته ثم فصلت﴾ [هود : ٤١] فكأنه في معرض بيان الحق والموعظة، وإذا كانت محكمة مفصلة فحق لها أن تكون شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، وحق توبيخهم في قوله تعالى :﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا علمه﴾
٥٠١