ولما عظمت النعمة، كرر عليهم التذكير فقال مسبباً عن ذلك ﴿فاذكروا آلاء الله﴾ أى نعم الذي استجمع صفات العظمة التي أنعم عليكم بها من الاستخلاف والقوة وغيرهما، واذكروا انه لا نعمة عندكم لغيره أصلاً فصار مستحقاً لأن تخصوه بالعبادة ﴿لعلكم تفلحون﴾ أى ليكون حالكم حال من يرجي فلاحة وهو ظفره بجميع مراده، لأن الذكر موجب للشكر الموجب للزيادة ولما كان هذا منه موجباً ولا بد لكل سامع منصف من المبادرة إلى لإذعان لهذه الحجة القطعية، وهي استحقاقه للافراد بالعبادة للتفرد بالإنعام ازداد تشوف المخاطب إلى جوابهم، فأجيب بقوله :﴿قالوا﴾ منكرين عليه معتمدين على محض التقليد ﴿أجئتنا﴾ أي من عند من ادعيت أنك رسوله ﴿لنعبد الله﴾ أى الملك الأعظم ﴿وحده﴾ ولما كان هذا منهم في غاية العجب المستحق للإنكار، اتبعوه ماهو كالعلة لإنكارهم عليه ما دعاهم إليه فقالوا :﴿ونذر﴾ أي نترك على غير صفة حسنة ﴿ما كان يعبد آباؤنا﴾ أى مواطنين على عبادته بما دلوا عليه ب " كان " وصيغة المضارع - مع افشارة بها إلى تصوير آبائهم في حالهم ذلك - ليحسن في زعمهم إنكار مخالفتهم لهم.
ولما كان معنى هذا الإنكار أنا لا نعطيك، وكان قد لوح لهم بالتذكير بقوم نوح وقوله ﴿أفلا تتقون﴾ إلى من العذاب بما لوح إليه إيماؤهم إلى التكذيب يقولهم :﴿إن كنت من الصادقين﴾ وتسميتهم للانذار بالعذاب وعداً من باب الاستهزاء
٥٤
ولما كانوا قد بالغوا في السفه في هذا القول، وكان قد علم من محاورته ﷺ لهم الحلم عنهم، اشتد التطلع إلى ما يكون من جوابه لهذا والتوقع له، فشفى غليل هذا التشوف بقوله :﴿قال قد وقع﴾ أي حق ووجب وقرب أن يقع ﴿عليكم من ربكم﴾ أي الذي غربكم به تواتر إحسانه عليكم وطول إملائه لكم ﴿رجس﴾ أي عذاب شديد الاضطراب في تتبع اقصادكم وأدناكم موجب لشدة اضرابكم ﴿وغضب﴾ أى شدة في ذلك العذاب لا تفلتون منها.


الصفحة التالية
Icon