ولما كانت البينة من الرحمة، وحد الضمير فقال :﴿فعميت﴾ أي فتسبب عن تخصيصي بها أن أظلمت، ووقع ظلامها ﴿عليكم﴾ أى فعميتم انتم عنها لضعف عقولكم ولم يقع عليكم شيء من نورها، وذلك أن الدليل إذا كان أعمى عاد ضرره على التابع بالحيرة والضلال، وهو معنى قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالبناء للمفعول مشددة ﴿أنلزمكموها﴾ وقوله :﴿وأنتم لما كارهون﴾ مع تسمية لها بينة - إشاره إلى أنها لم تعم ولا خفيت عليهم لقوة نورها وشدة ظهورها، وإنما هم معاندون في نفيهم لفضله وفضل من تبعه، والتعبير عن ذلك بالجملة الاسمية واسم الفاعل إشارة إلى
٥٢٣
أن أفعالهم أفعال من كراهته لها ثابتة مستحكمة، وكأنه لم يكن مأموراً بالقتال كما كان نبينا ﷺ في أول الأمر، والآية ناظرة إلى قوله تعالى :﴿أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾ [يونس : ٩٩] ويجوز أن يكون ذلك كناية عن أنهم معاندون مع قطع النظر عن الجهاد وغيره فإن الأنبياء عليهم السلام مأمرون بالمجادلة للمعاندين إلى أن يلزموهم الحجة، وهي لا تفيد إلا الإلزام في ا لظاهر مع الإنكار والكراهة في الباطن، والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة للكاملين، وبالموعظة والخطابة للمنافقين الذي لا يعاندون ويحسنون الظن في الداعي، فيكون المعنى أن البينة لم تنفعكم لشكاسة وإعوجاج في طباعكم، فلم يبق غلا الموعظة وهي لا تفيد إلا مع حسن الظن، وأما مع الكراهة فلا ينفعكم النصح، فلا فائدة في المجادلة إلا الإلزام، وهو مع الكراهة غير نافع لكم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢٣


الصفحة التالية
Icon