ولما حصل الالتفات إلى جوابهم، قيل :﴿قال الملأ﴾ أي الأشراف، وبينه بقول :﴿الذين استكبروا﴾ أي أوقعوا الكبر واتصفوا به فصار لهم خلقاً فلم يؤمنوا ؛ ونبه على التأ سية بقوله :﴿من قومه﴾ ولما قال :﴿للذين استضعفوا﴾ كان ربما فهم انهم آمنوا كلهم، فنفى ذلك بقوله مبدلاً منه :﴿لمن آمن منهم﴾ أي المستضعفين، فهو أوقع في النفس وأروع للجنان من البيان في أول وهلة مع الإشارة إلى أن أتباع الحق هم الضعفاء وأنه لم يؤمن إلا يؤمن إلا لبعضهم، ففيه إيماء إلى أن الضعف أجلّ النعم لملازمته لطرح النفس المؤدي إلى الإدعان للحق، وبناؤه للمفعول دليل على أنهم في غاية الضعف بحيث يستضعفهم كل أحد ﴿اتعلمون﴾ أي بدؤوهم بالإنكار صداً لهم عن يرضيهم ﴿أن صالحاً﴾ سموه باسمه جفاء وغلطة وإرهاباً للمسؤولين ليجيبوهم بما يرضيهم ﴿مرسل من ربه﴾ وكأنهم قالوه ليعلموا حالهم فيبنوا عليه ما يفعلونه، لأن المستكبيرين لا يتم لهم كبرهم إلا بطاعة المستضعفين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٨
ولما عملوا ذلك منهم، أعملوهم بالمنابذة اعتماداً على الكبير المتعال الذي يضمحل كل كبر عنده ولا يعد لأحد أمر مع امره بان ﴿قالوا﴾ منبهين لهم على غلطتهم في توسيمهم في حالهم معبرين بما دل على العلم بذلك والإذعان له ﴿إنا بما أرسل به﴾ ونبى للمفعول إشارة إلى التعميم التصديق وإلى أن كونه من عند الله أمر مقطوع به لا يحتاج إلى تعيين ﴿مؤمنون*﴾ أى غريقوت في الإيمان به، ولذلك ﴿قال الذين استكبروا﴾ أى في جوابهم معبرين بما يدل على المخالفة لهم والمعاندو ﴿إنا بالذي﴾ ووضعوا موضع " أرسل به " - رداً لما جعلوه معلوماً واخذوه مسلماً ﴿آمنتم به﴾ أي كائناً ما كان ﴿كافرون*﴾ ثم سبب عن قولهم قوله ﴿فعقروا الناقة﴾ أي التي جعلها الله لهم آية، وعبر بالعقر دون النحر لشموله كل سبب لقتلها لأن ابن إسحاق ذكر أنه
٥٨


الصفحة التالية
Icon