ولما كان الطبع البشري قاضياً بأن الإنسان يخشى ممن مسه بسوء وهو يتوهم أنه قادر على ضرره فلا يواجهه بما يكره، وكان قولهم محركاً للسامع إلى الاستعلام عن حوابه لهم، استأنف سبحانه الإخبار عنه بقوله :﴿قال﴾ نافياً لما قالوا مبيناً أن آلهتهم لا شيء ضاماً لهم معها، وأكد لأنهم بحيث لا يظنون أن أحداً لا يقول ما قاله ﴿إني أشهد الله﴾ أي الملك الأعظم ليقوم عذري عنده وعدل أدباً مع الله عن أن يقول : وأشهدكم - لئلا يتوهم تسوية ٠ إلى صيغة الأمر تهاوناً بهم فقال :﴿واشهدوا﴾ أي أنتم لتقويم الحجة عليكم لأيكم ويبين عجزكم ويعرف كل أحد أنكم بحيث يتهاون بكم وبدينكم ولا يبالي بكم ولا به ﴿أني بريء مما تشركون*﴾ وبين سفولها بقوله :﴿من دونه﴾ كائناً ما كان ومن كان، فكيف إذا لم يكن إلا جماداً ﴿فكيدوني﴾ حال كونكم ﴿جميعاً﴾ أي فرادى إن شئتم أو مجتمعين أنتم وآلهتكم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٤٢
ولما كانت المعاجلة في الحرب أهول، وكان شأنها أصعب وأخطر، بين عظمها بأداة التراخي فقال :﴿ثم لا تنظرون*﴾ والكيد : طلب الغيظ بالسر في مكر، وهذه الآية من أعلام النبوة الواضحة لهود عليه السلام، فكأنه قيل : هب أن آلاهتنا لا شيء، فما حملك على الاجتراء على مخالفتنا نحن وأنت كثرتنا وقوتنا وأنت لا تزيد على أن تكون واحداً منا فقال :﴿إني﴾ أي جسرت على ذلك لأني ﴿توكلت﴾ معتمداً ﴿على الله﴾ الملك المرهوب عقابه الذي لا ملك سواه لا رب غيره ؛ وبين إحاطة ملكه بقوله :
٥٤٣