ولما أبرزوا له أمرهم في قالب الشك على سبيل الجزم، قابلهم بمثله على سبيل الفرض إنصافاً لهملئلا يلائم الخطاب حال المخاطبين، فاستأنف سبحانه الإخبار عنه بذلك في قوله :﴿قال﴾ أي صالح نادياً لهم إلى النظر في امره برفق ﴿يا قوم أرءيتم﴾ أى أخبروني ﴿إن كنت﴾ أورده بصيغة الشك لأن خطابه للجاحدين ﴿على بينة من ربي﴾ أي المحسن إليّ، لا شك عندي فيها ﴿وآتني منه رحمة﴾ أي أوامر هي سبب الرحمة ﴿فمن ينصرني﴾ وأظهر موضع الإضماؤ وعبر بالاسم الأعظم لاقتضاء المقام التهويل فقال :﴿من الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿إن عصيته﴾ أي إن وقوعكم في الشك على رعكمكم حملكم على هيئة افباء في التلبس بأعمالهم مع زوالهم واضمحلالهم لو كانوا موجودين وعصيتموهم لم تبالوا بهم، وأما أنا فالذي امرني بعبادته حي قادر على جزاء من يطيعه أو يعصيه، وأقل ما يحمل على طاعته الشك في عقوبته، وهو كاف للعاقل في ترك الخطر ﴿فما﴾ أي فتسبب عن نهيكم لي عن الدعاء إليه سبحانه أنكم ما ﴿تزيدونني﴾ بذلك شيئاً في عملي بما ترمونه مني من عطفي عنه باتباعكم في عملكم أو الكف عنكم لأصير في عادا من يرجى عندكم ممن له عقل ﴿غير تخسير*﴾ أي إيقاعي في الخسارة على هذا التقدير : فلا تطمعوا في تركي لشيء من مخالفتكم ما دمتم على ما أنتم عليه، والآية كما ترى ناظرة إلى قوله تعالى ﴿فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٤٩