﴿وإلى مدين أخاهم هوداً﴾ [الأعراف : ٦٥] ﴿وإلى ثمود أخاهم صالحاً﴾ [الأعراف : ٧٣] ﴿وإلى مدين أخاهم شعيباً﴾ [الأعراف : ٨٥] وعدل عن هذا السلوب في قصة لوط فلم يقل : وإلى أهل أدوماً أخاهم لوطاً، أو إلى أهل سدوم لوطاً أو وأرسلنا لوطاً إلى قومه ونحو ذلك كما سيأتي في قصة موسىعليه السلام، لأن من أعظم المقاصد بسياق هذه القصص تسلية النبي ﷺ، في مخالفة قومه له من العذاب، وقصص من عدا قوم لوطفزائده عن ذلك بأمر فظيع عظيم الشناعة شديد العار والفحش فعدل عن ذلك النسق تنبيهاً عليه تهويلاً للامر وتبشيعاً له، ليكون في التسلية أشد، وفي استدعاء الحمد والشكر أتم، وحينئذ يترجح أن يكون العامل ﴿اذكر﴾ لا ﴿أرسلنا﴾ أي وأذركر لوطاً وما حصل عليه من قومه زيادة على شركهم من رؤيته فيهم هذا الأمر الذي لم يبق للشناعة موضعاً، فالقصة في الحقيقة تسلية وتذكير بنعمة معافاة العرب من مثل هذا الحال وإنذارلهم سوء المآل مع ما شاركت فيه اخواتها من الدلالة على سوء جبلة هواء جلبة هؤلاء القوم وشرارة جوهرهم المقتضى لتفردهم عن اهل الأرض بذلك الأمر الفاحش، والدليل على انه اشنع الشنع بعد الشرك - مع ما جعل الله تعالى في كل طبع سليم من النفرة عنه - اختصاصه بمشاركته للشرك في أنه لم يحل في ملة من الملل في وقت من الوقات ولا مع وصف من الأوصاف، وبقية المحرمات ليست كذلك، فأما قتل النفوس فقد حل في القصاص والجهاد وغير ذلك، والوطء في القبل لم يحرم إلا بقيد كونه بالباطل - وكذا غير ذلك ؛ قال أبو حيان : ولما الأصل فيه الحل، وما حرم إلا بقيد كونه زنى، ولولا الوصف الحل، واكل المال الأصل فيه الحل، وما حرم إلا بقيد الباطل - وكذا غير ذلك ؛ قال أبو حيان : ولما كان هذا الفعل معهوداً قبحه ومركوزاً في العقول فحشه، أتى معفاً - أي في قوله بعد إنكاره عليهم وتقريعه وتوبيخهلهم :﴿أتأتون الفاحشة﴾ أتفعلون السيئة المتمادية في القبح وإن كان بينكم وبينها مسافة


الصفحة التالية
Icon