ولما علم منهذا أنه يوم عظمة وقهر، سبب عن تلك العظمة تقسيم الحاضرين فقال :﴿فمنهم﴾ أي الخلائق الحاضرين لأمره ﴿شقي﴾ ثبتت له الشقاوة فيسر في الدنيا لأعمالها ﴿وسعيد*﴾ ثبتت له السعادة فمشى على منوالها ؛ والتأخير : الإذهاب عن جهة الشيء بالإبعاد منه، وضده التقديم ؛ والأجل : الوقت المضروب لوقوع أمر من الأمور ؛ واللام تدل على العلة والغرض والحكمة بخلاف " إلى " ؛ والشقاء : قوة أسباب البلاء.
ولما كان أكثر الخلق هالكاً مع أن المقام تهديد وتهويل، بدأ تعالى بالأشقياء ترتيباً للنشر على ترتيب اللف فقال :﴿فأما الذين شقوا﴾ أي أدركهم العسر والشدة ﴿ففي النار﴾ أي محكوم لهم بأنهم يدخلون الناء التي هي النار لو علمتم ﴿لهم فيها زفير﴾ أي عظيم جداً ﴿وشهيق*﴾ من زفر - إذا أخرج نفسه بعد مدَّه إياه، وشهيق - إذ ترددالبكاء في صدره - قاله في القاموس ؛ وقال ابن كثير في تفسير سورة الأنبياء :
٥٧٩
الزفير خروج أنفاسهم، والشهيق : ولوج أنفسهم ؛ وعن ابن عباس رضي الله عنهما : الزفير : الصوت الشديد، والشهيق : الصوت الضعيف، وعن الضحاك ومقاتل : الزفير أول نهيق الحمار، والشهيق آخره حين يفزع من صوته إذا رده في جوفه، وسيأتي كلام الزماني في ذلك ﴿خالدين فيها﴾ أي بلا انقطاع، وعبر عنه بقوله جرياً على أساليب العرب :﴿ما دامت السماوات والأرض﴾.
ولما كان له شيء لا يقبح منه شيء وهو قادر على كل شيء، دل على ذلك بقوله :﴿إلا ما شاء﴾ أى مدة شاءها فإنه لا يحكم بذلك فيها فلا يدخلونها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٧٧


الصفحة التالية
Icon