ولما كان ما تقدم كله مشيراً إلى استبعاد إيمان المعاندين بشي من تدبير آدمي كما تكاد القصص تنطق به، وكذا الإعلام بأن عبادتهم إنما هي للتقليد وباختلاف قوم موسى في كتابه الذي هو هدى ورحمة، وكل ذلك فطماً عن طلب ما قد يهجس في الخاطر من تمني إجابتهم إلى ما يقترحون أو الكف عن بعض ما يغيظ من الإنذار، وكان من طبع البشر البعد عن الانتهاء عن الخواطر إلا بعد التجربة، كان ذلك ربما أوجب أن الرشاد، فتسبب عنه أن يقال دفعاً له :﴿فلولا كان﴾ ويجوز أن يكون مناسبتها أنه لما ذكر إهلاك القورن الماضية والأمم السالفة بما مضى إلى أن ختم بالأمر بالصبر على الإحسان من الأمر بالمعروف والنهي عن النمكر، كان من الجائز أن يقع في فكر الاعتراض بأن يقال : ما الموجب لذلك ؟ فبين أن سبب الهلاك الإعارض عن نهي منتهك الحرمات والمجترىء على هتك الأستار الجليلة والرتع في الحمى مع تمكنهم بما أودع فيهم سبحانه من القوى والقدرة على اختيار جانب الخير والإعراض عن جانب الشر فقال تعالى :﴿فلولا﴾ بصيغة تحتمل التخصيص، وفيها معنى التفجع والتاسف لاعتبار كل من كان على مثل حالهم ﴿من القرون﴾ أي المهلكين الأشداء الكائنين في زمان ما.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٨٥