فلما أثبت سبحانه لهذا الكتاب أنه المختص بكونه حقاً فثبت أنه عظم الأدلة والآياتن شرع يذكر ما أشار إليه بقوله :﴿وكأين من آية﴾ من الآيات المحسوسة الظاهرة الدالة على كون آيات الكتاب حقاً بما لها في أنفسها من الثبات، والدلالة بما لفاعلها من القدرة والاختيار - على أنه قادر على كل شيء، وأن ما أخبر به من البعث حق لما له من الحكمة، والدالة - بما للتعبير عنها من الإعجاز - على كونها من عند الله، وبدأ بما بدأ به في تلك من آيات السماوات لشرفها ولأنها أدل، فقال :﴿الله﴾ أي الملك الأعظم الذي له جميع صفات الكمال وحده ﴿الذي رفع السماوات﴾ بعد أيجادها من عدم - كما أنتم بذلك مقرون ؛ والرفع : وضع الشيء في جهة العلو سواء كان بالنقل أو بالاختراع، كائنه ﴿بغير عمد﴾ جمع عماد كأهب وإهاب أو عمود، والعمود : جسم
١٢٠
مستطيل يمنع المرتفع أن يميل، وأصله منع الميل ﴿ترونها﴾ أي مريئة حاملة لهذه الأجرام العظام التي مثلها لا تحمل في مجاري عاداتكم إلا بعد تناسبها في العظم، هذا على أن ﴿ترونها﴾ صفة، ويجوز - ولعله أحسن -أن يكون على تقدير سؤال من كأنه قال : ما دليل أنها بغير عمد ؟ فقيل : المشاهدة التي لا أجلى منها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٧
ولما كان رفع السماوات بعد خلق الأرض وقبل تسويتها، ذكر أنه شرع في تدبير ما للكونين من المنافع وما فيهما من الأعراض والجواهر، وأشارإلى عظمة ذلك التدبير بأداة التراخي فقال :﴿ثم استوى على العرش﴾ قال الرازي في لوامع البرهان : وخص العرش لأنه أعلى خلقه وصفوته ومنظره الأعلى وموضع تسبيحه ومظهر ملكه ومبدأ وحيه ومحل قربه، ولم ينسب شيئاً م خلقه كنسبته، فقال تعالى :﴿ذو العرش﴾ كما قال ﴿ذو الجلال﴾ و" ذو " كلمة لحق واتصال وظهور ومبدأ، وقال الرماني : والاستواء : الاستيلاء بالاقتدار ونفوذ السلطانن وأصله : استوى التدبير، كما أن أصل القيام الانتصاب، ثم يقال : قائم بالتدبير - انتهى.


الصفحة التالية
Icon