ولما كان هذا إنكار المحسوس من القدرة، استحقوا ما يستحق من يطعن في ملك الملك، فقال :﴿أولئك﴾ أي الذين جمعوا أنواعاً من البعد مع كل خير ﴿الذين كفروا بربهم﴾ أي غطوا كل ما يجب إظهاره بسبب الاستهانة بالذي بدأ خلقهم ثم رباهم بأنواع اللطف، فإذا أنكروا معادهم فقد أنكروا مبدأهم ﴿وأولئك﴾ أي البعداء البغضاء ﴿الأغلال﴾ أي الحدائد التي تجمع أيدي الأسرى إلى أعناقهم، ويقال لها : جوامع، وتارة تكون في الأعناق فقط يعذب بها الناس ؛ ولما كان طرفا العنق غليظين، فلا تكون إحاطة الجامعة منها إذا كانت ضيقة إلا بالوسط، جعل الأعناق ظروفاً باعتبار أنها على بعض منها، وذلك كناية عن ضيقها، فقال :﴿في أعناقهم﴾ أي بكفرهم وإن لم تكن الأغلال مشاهدة الآن، فهي لقدرة المهدد بها على الفعل كأنها موجودة، وهم منقادون لما قدر عليهم من أسبابها كما يقاد المغلول بها إلى ما يريد قائده، والغل : طوق تقيد به اليد في العنق، وأصله : انغل في الشيء - إذا انتشب فيه، وغل المال - إذا خان بانتشابه في المال الحرام ﴿وأولئك﴾ أي الذين لا خسارة أعظم من خسارتهم ﴿أصحاب النار﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٥
ولما كانت الصحبة تقتضي الملازمة، صرح بها فقال :﴿هم﴾ أي خاصة ﴿فيها﴾ أي متمحضة لا يخلطها نعيم ﴿خلدون*﴾ أي ثابت خلودهم دائماً.
١٢٦


الصفحة التالية
Icon