ولما كانت الرسل لمن تعم بالفعل الزمان كله، قال :﴿من قبلها أمم﴾ طال أذاهم لأنبيائهم ومن آمن بهم واستهزاءهم في عدم الإجابة إلى المقترحات وقول كل أمة لنبيها عناداً بعد ما جاءهم من الآيات ﴿لولا أنزل عليه آية﴾ حتى كأنهم تواصوا بهذا القول حتى فعل الرسل وأتباعهم في إقبالهم على الدعاء وإعراضهم عمن يستهزىء بهم - فعل الآئس من الإنزال ﴿لتتلوا﴾ أي أرسلناك فيهم لتتلو ﴿عليهم﴾ أي تقرأ ؛ والتلاوة : جعل
١٥٠
الثاني يلي الأول بلا فصل ﴿الذي أوحينا إليك﴾ من ذكر الله الذي هو أعظم الآيات ﴿وهم﴾ أي والحال أنهم ﴿يكفرون﴾ لا تمل تلاوته عليهم في تلك الحال فإن لنا في هذا حكماً وإن خفيت، وما ارسلناك ومن قبلك من الرسل إلا لتلاوة ما يوحى، لا لطلب الإجابة إلى ما يقترح الأمم من الآيات ظناً أنها تكون سبباً لإيمان أحد، نحن أعلم بهم، وهذا كله تسلية لرسول الله صلىالله عليه وسلم، وقوله :﴿بالرحمن﴾ إشارة إلى كثرة حلمه وطول أناته، وتصوير لتقبيح حالهم في مقابلتهم الإحسان بالإساءة والنعمة بالكفر بأوضح صورة وهم يدعون أنهم أشكرالناس للإحسان وأبعدهم من الكفران.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٠
ولما تضمن كفرهم بالرحمن كفرهم بالقرآن ومن أنزل عليه، وكان الكفر بالمنعم في غاية القباحة، كان كأنه قيل : فماذا أفعل حينئذ أنا ومن اتبعني ؟ لا نتمنى إجابتهم إلى مقترحاتهم إلا رجاء إيمانهم، وكان جوابهم عن الكفر بالموحى أهم، بدأ به فقال :﴿قل﴾ عند ذلك إيماناً به ﴿هو﴾ أي الرحمن الذي كفرتم به ﴿ربي﴾ المربي لي بالإيجاد وأدرار النعم، والمحسن إليّ لا غيره، لا أكفر إحسانه كما كفرتموه أنتم، بل أقول : إنه ﴿ل إله إلا الله﴾ أنا في أن سبب كفرتم إنكار يوم الدين.