والمراد - والله أعلم - أنه يكون في أم الكتاب أنا نفعل كذا - وإن كان في الفرع على غير ذلك، فإنه بالنسبة إلى شريعة دون أخرى، فإذا نقضت الشريعة الأولى فإنا نمحوه في أجل كذا، أو يكون المعنى : يمحو ما يشاء من ذلك الكتاب بأن يعدم مضمونه بعد الإيجاد، ويثبت ما يشاء بأن يوجده من العدم وعنده أم الكتاب ؛ قال الرازي في اللوامع : وقد أكثروا القول فيها، وعلى الجملة بالنسبة إلى الصورة التي ارتفعت، إثبات بالنسبة إلى الصورة الثانية، والقضاء الأزلي، والمشيئة الربانية مصدر هذا المحو والإثبات، فلذلك هو القضاء وهذا هو القدر، فالقضاء مصدر القدر، والقدر مظهر القضاء، والله تعالى وصفاته منزه عن التغير.
ولما تم ما أراد مما يتعلق بتألفهم، وختم بأنه سبحانه يفعل مايشاء من تقديم وتأخير ومحو وإثبات، وكان من مقترحاتهم وطلباتهم استهزاء استعجال السيئة مما توعدوا به، وكانت النفس ربما تمنت وقوع ذلك للبعض وإثباته ليؤمن غيره تقريباً لفصل النزاع، قال سبحانه وتعالى :﴿وإن ما نرينك﴾ أكدة لتأكيد الإعلام بأنه لا حرج عليه في ضلالة من ضل بعد إبلاغه، نفياً لما يحمله عليه ﷺ شدة رحمته لهم وشفقته عليهم من ظن أنه عليه أن يردهم إلى الحق حتماً ﴿بعض الذي نعدهم﴾ وأنت حي مما تريد أو يريد أصحابك، فصل الأمر به فثبت وقوعه إقراراً لأعينكم قبل وفاتك ؛ والوعد : الخبر عن خير مضمون، والوعيد : الخبر عن شر مضمون، والمعنى هاهنا عليه، وسماه وعداً لتنزيلهم إياه في طلب نزوله منزله الوعد ﴿أو نتوفينك﴾ قبل أن نريك ذلك، وهو ممحو الأثر لم يتحقق، فالذي عليك والذي إلينا مستو بالنسبة إلى كلتا الحالتين ﴿فإنما عليك البلاغ﴾
١٦١