تقدم، فإذا تقرر ذلك علم أنه لا مانع حينئذ لأمة من الأمم عن الاستقامة على هذا الصراط إلا إذن الله ومشيئته ﴿فيضل﴾ أي فتسبب عن ذلك أنه يضل ﴿الله﴾ أي الذي له الأمر كله ﴿من يشاء﴾ إضلاله، وقدم سبحانه هذا اهتماماً بالدلالة على أنه سبحانه خالق الشر كما أنه خالق الخير مع أن السياق لذم الكافرين الذين هم رؤوس أهل الضلال ﴿ويهدي من يشاء﴾ هدايته فإنه سبحانه هو المضل الهادي، وأما الرسل فمبينون ملزمون للحجة تمييزاً للضال من المهتدي ﴿وهو﴾ أي وحده ﴿العزيز﴾ الذي لا يرام ما عنده إلا به، ولا يمتنع عليه شيء أراده ﴿الحكيم*﴾ الذي لا ينقض ما دبره، فلذلك دبر بحكمته إرساله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الخلق كافة باللسان العربي، لأن المقصود جمع الخلق علىالحق، فجمعهم على لسان واحد أنسب ما يكون لذلك، ولو أنزل بألسنة كلها لكان منافياً لهذا المقصود، وإن كان مع الإعجاز بكل لسان كان قريباً من الإلجاء فيفوت الإيمان بالغيب، ويؤدي أيضاً إلى ادعاء أهل كل لسان أن التعبيرعنه بلسانهم أعظم، فيؤدي ذلك إلى المفاخرة والعصبية المؤدي إلى أشد الفرقة، وأنسب الألسنة لسان قوم الرسول لأنهم، أقرب إليه، فيكون فهمهم لأسرار شريعته ووقوفهم على حقائقها أسهل، ويكونون عن الغلط والخطأ أبعدن فإذا فهموا عنه دعوا من يليهم بالتراجمة وهلم جرا، فانتشر الأمر وعم سهل، وكان مع ذلك أبعد من التحريف وأسلم من التنازع.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما كانت سورة الرعد على ما تمهد بأن كانت تلك الآيات والبراهين التي سلفت فيها لا يبقى معها شك لمن اعتبر بها لتعظيم شأنها وإيضاح أمرها، قال تعالى :﴿كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور﴾ [إبراهيم : ١] أي إذا هم تذكروا به واستبصروا ببراهينه وتدبروا آياته ﴿ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض﴾ [الرعد : ٣١].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٧


الصفحة التالية
Icon