وانتهاج ذلك الدليل، ثم قال تعالى :﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه﴾ [إبراهيم : ٤] وكأن هذا من تمام قوله سبحانه ﴿ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية﴾ [الرعد : ٣٨] وذلك أن الكفار لما حملهم الحسد والعناد وبعد الفهم بما جبل على قلوبهم وطبع عليها على أن أنكروا كون الرسل من البشر حتى قالوا :﴿أبشر يهدوننا﴾ [التغابن : ٦]، و﴿ما أنتم إلا بشر مثلنا﴾ [يس : ١٥] وحتى قالت قريش :﴿لولا أنزل عليه ملك﴾ [الأنعام : ٨]، ﴿ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق﴾ ﴿وقالوا لولا أنزل هذا القرآن على رجلمن القريتين عظيم﴾ [الزخرف : ٣١] فما كثر هذا منهم وتبع خلفهم في هذا سلفهم، رد تعالى أزعامهم وأبطل توهمهم في آيات وردت على التدريج في هذا الغرض شيئاً فشيئاً، فأول الوارد من ذلك في معرض الرد عليهم وعلى ترتيب سور الكتاب قوله تعالى :﴿أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم﴾ [يونس : ٢]، الآية ثم أتبع ذلك بانفراده تعالى بالخلق والاختراع والتدبير والربوبية، وفي طي ذلك أنه يفعل ما يشاء لأن الكل خلقه وملكه، وأنه العليم بوجه الحكمة في إرسال الرسل وكونهم من البشر، فأرغم الله تعالى بمضمون هذة الآي كل جاحد معاند ؛ ثم ذكر تعالى في سورة هود قول قوم نوح ﴿ما نراك إلا بشراً مثلنا﴾ [ هود : ٢٧]، الآية وجوابه عليه السلام ﴿أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكمومها وأنتم لها كارهون﴾ [هود : ٦٣] أي أني وإن كنت في البشرية مثلكم فقد خصني الله بفضله وآتاني رحمة من عنده وبرهاناً على ما جئتكم به عنه، وفي هذه القصة أعظم عظة، ثم جرى هذا لصالح وشعيب عليهما السلامن وديدن الأمم أبداً مع أنبيائهم ارتكاب هذه المقالات، وفيها من الحيد والعجز عن مقاومتهم ما لا يخفي وما هو شاهد على تعنتهم، ثم زاد سبحانه تعالى نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تعريفاً بأحوال من تقدمه من الأنبياء عليهم السلام ليسمع ذلك من جرى


الصفحة التالية
Icon