ولما كان الكمال لا يكون إلا في الجنة قال :﴿من كل ما سألتموه﴾ أي ما أنتم محتاجون إليه فأنتم سائلوه بالقوة ؛ ثم حقق وجه العظم بفرض ما يوجب العجز فقال :﴿وإن تعدوا﴾ أيها الناس كلكم ﴿نعمت الله﴾ أي تروموا عد إلغاء الملك الأعلى الذي له الكمال المطلق أو تأخذوا في عدّه، وعبر عنه بالنعمة إرشاداً إلى الاستدلال بالأثر على المؤثر ﴿لا تحصوها﴾ أي لا تحيطوا بها ولا تعرفوا عد الحصى المقابلة لها إن
١٨٨
عددتموها بها كما كانت عادة العرب، أو لاتجدوا من الحصى ما يوفي بعددها، هذا في النعمة الواحدة فكيف بما زاد! فهذا شرح قوله أول السورة ﴿الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض﴾ وقد ظهر به أنه لا يوجد شيء إلا هو ملك الله فضلاً عن أن يوجد شيء يداينه فضلاً عن شيء يماثله، فثبت أنه لا بيع ولا خلال يوم دينونة العباد، وتقريب العجز عن العد للإفهام أن السلامة من كل داء ذكره الأطباء في كتبهم - على كثرتها وطولها - نعمة على العبد، وذلك متعسر الحصر، وكل ما ذكروه صريحاً في جنب إليه، هذا في الجسم، وأما في العقل فالسلامة من كل عقد زائغ، ودين باطل وضلال مائل، وذلك لا يحصيه إلا خالق الفكر وفاطر الفطر سبحانه، ما أعزه وأعظم شأنه!.


الصفحة التالية
Icon