ولم كان السياق لإخراج الرسل من محالهم، وكان ذلك مفهماً لأن المحل الذي يقع الإخراج منه بلد يسكن فيه، واتبعه سبحانه بأن المعترضين نعمة الله - بما أسكن فيه من الأمن بعد جعله له بلداً - بما أحدثوا فيه من الإخافة لخير أهله، ومن الإنذار لمن أنعم عليهم بكل ما فيه من الخير، كان الأنسب تعريفه فقال :﴿اجعل هذا البلد﴾ أي الذي يريدون إخراج الرسول منه ﴿آمناً﴾ أي ذا أمن بأمان أهله، وكأن هذا الدعاء صدر منه بعد أن سكن الناس مكة وصارت مدينة، والذي في البقرة كان حيث وضع ابنه مع أمه وهي خالية عن ساكنن فدعا أن يجعلها الله بلداً، وأن يجعلها بعد ذلك موصوفة بالأمن، وهو سكون النفس إلى زوال الضر.
ولما دعا بالأمن من فساد الأموال والأبدان، أتبعه بالدعاء بالأمن من فساد الأديان، فقال :﴿واجنبني﴾ أي اصرفني ﴿وبني﴾ أي لصلبي، وأسقط البنات إشارة إلى الاستقلال، وإنما هن تابعات دائماً ﴿أن نعبد﴾ أي عبادة مستمرة تكون موجبة للنار ﴿الأصنام*﴾ أي اجعلنا في جانب غير جانب عبادتها، والصنم : المنحوت على خلقة البشر، وما كان منحوتاً على غير خلقة البشر فهو وثن - قاله الطبري عن مجاهد ؛ تم بين زيادة الاهتمام بأمر الأصنام بإعادة النداء، وأسقط الأداة - زيادة في التملق بكونه من أهل القرب والانقطاع إليه سبحانه معللاً لما قبله - في قوله :﴿رب﴾ بإفراد المضاف إليه ليكون الكلام الواحد على نظام واحد ﴿إنهن أضللن﴾ إسناداً مجازي علاقته السببية ﴿كثيراً من الناس فمن﴾ أي فتسبب عن بغضي لهن أن أقول : من ﴿تبعني﴾ من جميع الناس في تجنبها ﴿فإنه مني﴾ أي من حزبي لكونه على طريقتي وديني، فأتني ما وعدتني فيه من الفوز ﴿ومن عصاني﴾ فضل بها فقد استحق النار، فإن عذبته فهو عبدك، وإن
١٩٠