ولما اشتملت هذه السورة على ما قرع سمعك من هذه المواعظ والأمثال والحكم التي أبكمت البلغاء، وأخرست الفصحاء، وبهرت العقول، ترجمها سبحانه بما يصلح عنواناً لجميع القرآن فقال :﴿هذا﴾ أي الكتاب الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور ﴿بلاغ﴾ أي كافٍ غاية الكفاية في الإيصال ﴿للناس﴾ ليصلوا به إلى الله بما يتحلون به من المزايا في سلوك صراطه القويم، فإن مادة " بلغ " بأي ترتيب كان - تدور بما يتحلون به من وتارة تلزمها القوة وتارة الإعياء الناشئ عن الضعف : بلغ المكان بلوغاً : وصل إليه ؛ وبُلغ الرجل - كعني : جهد، والبليغ : الفصيح يبلغ
١٩٧
بعبارته كنه ضميره، والبلاغ - كسحاب : الكفاية، لأنها توصل إلى القصد، وبالغ مبالغة - إذا اجتهد ولم يقتصر، وتبلغت به العلة : اشتدت.
والغلباء : الحديقة المتكاثفة، ومن القبائل : العزيزة الممتنعة، والأغلب : الأسد.
ولغب : أعيا - لاجتهاده في البلوغ، واللغب : ما بين الثنايا من اللحم، واللغب - ككتف : الكلام الفاسد - يرجع إلى الإعياء، وكذا الضعيف الأحمق، والسهم الذي لم يحسن بريه كاللغاب - بالضم، والتغلب : طول الطرد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٦
والبغل من أشد الحيوان وأبلغها للقصد، وبغل تبغيلاً : بلّد وأعيا، والإبل : مشت بين الهملجة والعنق.
ولما كان متعلق البلاغ الذي قدرته بالوصول يتضمن البشارة، عطف عليه النذارة بانياً للمفعول، لأن النافع مطلق النذارة، وكل أحد متأهل لأن يكون واعظاً به مقبولاً، لأن من سمعه فكأنما سمعه من الله لتميزه بإعجازه عن كل كلام، فقال :﴿ولينذروا﴾ أي من أي منذر كان فيقوم عليهم الحجة ﴿به﴾ فيحذروا عقاب الله فيتخلوا عن الدنايا.
ولما أشار إلى جميع الفروع فعلاً وتركاً، مع إشارته إلى أن أدلة الوحدانية الوصول، صرح به على حدته لجلالته في قوله :﴿وليعلموا أنما هو﴾ أي الإله ﴿إله واحد﴾ فيكون همهم واحداً.