ثم لما أجابهم بهذا الجواب الدال على تمام القدرة وكمال العلم الدالين على الوحدانية، عطف على ما تقدم أنه في قوة الملفوظ قوله دالاً على تركهم الجواب إلى التعنت والسفه :﴿وقالوا﴾ أي لم يجوزوا أنهم يودون ذلك، بل استمروا على العناد وقالوا :﴿يأيها الذي﴾ ولما كان تكذيبهم بالتنزيل نفسه، بني للمفعول قوله :﴿نزل عليه﴾ أي بزعمه ﴿الذكر﴾ وبينوا أنهم ما سموه تنزيلاً إلا تهكماً، فقالوا مؤكدين لمعرفتهم بأم قولهم منكر :﴿إنك لمجنون﴾ أي بسبب ادعائك أن الله أنزل عليك ذكراً والذي تراه جني يلقى إليك تخليطاً، فكان هذا دليلاً علة عنادهم، فإنهم أقاموا الشتم مقام الجواب عما مضى صنعه المغلوب المقطوع في المناظرة، تم أتبعوه ما زعموا أنه دليل على قولهم فقالوا :﴿لو ما﴾ أي هلا ولم لا ﴿تأتينا بالملائكة﴾ دليلاً على صدقك إما للشهادة لك وإما لإهلاك من خالفك ﴿إن كنت﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿من الصادقين*﴾ فيما تقول، أي ما وجه اختصاصك عنا بنزول الملائكة عليك ورؤيتك إياهم وأنت مثلنا في الإنسانية والنسب والبلد ؟ هذا بعد أن قامت على صدقه الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة التي أعظمها القرآن الداعي لهم إلى المبارزة كل حين المبكت لهم بالعجز عن المساجلة كل وقت.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٩


الصفحة التالية
Icon