قال زيد بين ثابت : وعمر جالس عنده لا يتكلم، فقال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلت : كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتتبع القرآن فقال أبو بكر : هو والله خير! فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة - أو أبي خزيمة - الأنصاري، لم أجدهما - أي مكتوبتين - عند أحد غيره ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم﴾ - إلى آخرها، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله تعالى ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم حفصة بنت عمر - رضي الله عنهم.
وساق هذا الأثر أيضاً في
٢٠٧
فضائل القرآن، وروي بعده عن أنس رضي الله عنه أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قدم على عثمان رضي الله عنه، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وآذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة رضي الله اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان رضي الله عنهما : يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة - رضي الله عنهما أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن هشام رضي الله وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام رضي الله عنهم، فنسخوها في المصاحف ؛ وقال عثمان رضي الله عنه للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتهم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهمن ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف مما نسخوا، وأمربما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.


الصفحة التالية
Icon