فلما تم ما أراد من آيتي السماء والأرض، وختمه بشمول قدرته لكل شيء، أتبعه ما ينشأ عنهما مما هو بينهما مودعاً ف خزائن قدرته فقال :﴿وأرسلنا﴾ أي بما لنا من التصريف الباهر ﴿الرياح﴾ جمع ريح، وهي جسم لطف منبث في الجو سريع المر ﴿لواقح﴾ أي حوامل تحمل الندى ثم تمجه في السحاب التي تنشئها، فهي حوامل للماء، لواحق بالجو، قوته على ذلك عالية حساً ومعنى ؛ والريح : هواء متحرك، وحركته بعد أن كان ساكناً لا بد لها من سبب، وليس هونفس كونه هواء ولا شيئاَ من لوازم ذاته، وإلا دامت حركته.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٠
فليست إلا بتحريك الفاعل الواحد المختار ﴿فأنزلنا﴾ أي بعظمتنا بسبب تلك السحائب التي حملتها الرياح ﴿من السماء﴾ أي الحقيقية أو جهتها او السحاب، لأن الأسباب المتراقية بسند الشيء تارة إلى القريب منها وتارة إلى البعيد وأخرى إلى الأبعد ﴿ماء﴾ وهو جسم مائع سيال، به حياة كل حيوان من شأنه الاغتذاء ﴿فأسقيناكموه﴾ جعلناه لكم سقياً، يقال : سقيته ماء أي ليشربه، وأسقيته أي مكنته منه ليسقى به ماشيته ومن يريد.
ونفي سبحانه عن غيره ما أثبته أولاً لنفسه فقال ﴿وما أنتم له﴾ أي ذلك الماء ﴿بخازنين*﴾ والخزن : وضع الشيء في مكان مهيأ للحفظ، فثبت أن القادر عليه واحد مختار.
ومادة " لقح " بتقاليبها الست تدور على اللحاق، وتلزمه القوة والعلو حساً أو معنى، فاللقاح اسم ماء الفحل - لأنه يلحق الأنثى فتحمله، وقد ألقح الفحل الناقة، ولقحت لقاحاً : حملت، والملقوح : ما لقحته من الفحل، أي أخذته، وهي الملاقيح - يعني الأجينة، واللقحة : الناقة الحلوب - لأنها أهل لأن يلحقها جائع، وألقح القوم النخل ولقحوها - إذا ألحقوها بالفحالة فعلقوها عليها.
والقاحل : اليابس من الجلود، لأن أجزاءه تلاحق بعضها ببعض فضمرت، ومنه شيخ قاحل.


الصفحة التالية
Icon