ولما أخبر أنه أخبرهم بوجله منهم، تشوف السامع إلى جوابهم فقال :﴿قالوا﴾ مريدين أمنه :﴿لا توجل﴾ والوجل : اضطراب النفس لتوقع ما يكره ؛ ثم عللوا ذلك بقولهم مؤكدين لقلع ما في نفسه من الوجل المنافي للبشرى ﴿إنا نبشرك بغلام﴾ أي ولد
٢٢٦
ذكر هو في غاية القوة وليس هو كالأولاد الشيوخ ضعيفاً.
ولما كان خوفه لخفاء أمرهم عليه، كان للوصف بالعلم في هذا السياق مزيد مزية فقالوا :﴿عليم*﴾ فكأنه قيل : فما قال ؟ فقيل :﴿قال﴾ مظهراً للتعجب إرادة تحقيق الأمر وتأكيده :﴿أبشرتموني﴾ أي بذلك ﴿على أن مسني الكبر﴾ أي الذي لا حركة معه يأتي منها ولد، أم على أن أعود شاباً ؟ ولذلك سبب عنه قوله :﴿فبم تبشرون*﴾ بينوا لي ذلك بياناً شافياً ﴿قالوا بشرناك بالحق﴾ أي الأمر الثابت المقطوع به الواقع لا محالة الذي يطابق خبرنا ﴿فلا تكن﴾ أي بسبب تبشيرنا لك بالحق ﴿من القانطين*﴾ أي الآئسين الذين ركنوا إلى يأسهم، لقولك نحو أقوالهم.
فلما ألهبوه بهذا النهي ﴿قال﴾ منكراً لأن يكون من القانطين :﴿ومن يقنط ﴾ أي ييأس هذا اليأس ﴿من رحمة ربه﴾ أي الذي لم يزل إحسانه دارّاً عليه ﴿إلا الضالون*﴾ أي المخطئون طريق الاعتقاد الصحيح في ربهم من تمام القدرة وأنه لا تضره معصية ولا تنفعه طاعة، وهذا إشارة إلى أنه ما كان قانطاً، وإنما كان مريداً لتحقيق الخبر، وفي هذا تلويح إلى أمر المعاد.
فلما تحقق البشرى ورأى إتيانهم مجتمعين على غير الصفة التي يأتي عليها الملك للوحي، وكان هو وغيره من العارفين بالله عالمين بأنه ما تنزل الملائكة إلا بالحق، كان ذلك سبباً لأن يسألهم عن أمرهم ليزول وجله كله، فلذلك ﴿قال فما﴾ بفاء السبب ﴿خطبكم﴾ قال أبو حيان : والخطب لا يكاد يقال إلا في الأمر الشديد - انتهى.