جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٥
ولما أمره في عشرتهم بما أمر، أتبعه أمره بعشرة أصحابه رضي الله عنهم بالرفق واللين فقال تعالى :﴿واخفض﴾ أي طأطئ ﴿جناحك للمؤمنين*﴾ أي العريقين في هذا الوصف، واصبر نفسك معهم، واكتفِ بهم، فإن الله جاعل فيهم البركة، وناصرك ومعز دينك بهم، وغير محوجك إلى غيرهم، فمن أراد شقوته فلا تلتفت إليهم، وهذا كناية عن اللين، وأصله أن الطائر إذا ضم الفرخ إليه بسط جناحه ثم قبضه عليه - قاله أبو حيان ؛ وفي الجزء العاشر من الثقفيات عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال :"المؤمن لين حتى تخاله من اللين أحمق ".
٢٣٦
ولما كان الغالب على الخلق التقصير، قال له :﴿وقل﴾ أي للفريقين، مؤكداً لما للكفار من التكذيب، ولما للمؤمنين به من طيب النفس :﴿إني أنا﴾ أي لا غيري من المنذرين بالأعداء الدنيوية ﴿النذير المبين*﴾ لمن تعمد التقصير إنذاري منقذ له من ورطته، لأنه محتف بالأدلة القاطعة.
ولما ذكر ما التحم بقصة أصحاب الحجر المقتسمين على قتل رسولهم، وختمه بالإنذار الذي هم أهله، عاد إلى تتميم أمرهم فشبههم بمن كذب من هذه الأمة فقال :﴿كما﴾ أي كذب أولئك وآتيناهم آياتنا فأعرضوا عنها ففعلنا بهم من العذاب ما هم أهله مثل ما ﴿أنزلنا﴾ أي بعظمتنا من الآيات ﴿على المقتسمين*﴾ أي مثلهم من قريش حيث اقتسموا شعاب مكة، ينفرون الناس عنك ويفرقون القول في القرآن، فلا تأس عليهم لتكذيبهم وعنادهم مع رؤيتهم الآيات البينات، فإن سنتنا جرت بذلك فيمن أردنا شقوته كقوم صالح ؛ ثم قال :﴿الذين﴾ أي مع أنهم تقاسموا على قتلك واقتسموا طرق مكة للتنفير عنك ﴿جعلوا القرءان﴾ بأقوالهم ﴿عضين*﴾ أي قسموا القول فيه والحال أنه جامع المعاني، لا متفرق المباني - منتظم التأليف أشد انتظام.


الصفحة التالية
Icon