ولما كانت هذه الآية لصاحبها مغنية، ولمن فاز بقبولها معجبة مرضية، حسن كل الحسن اتباعها بقوله ﴿لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم﴾ ولما كان كفرهم بعد بيانها غنما هو عناد، قال تعالى " ولا تحزن عليهم " ولما كان الغني بها ربما طن حسن أنفة الغنى، عقبه قوله ﴿واخفض جناحك للمؤمنين﴾ ولما كان ربما ظن أن تلاوتها تغني عن الدعاء لا سيما لمن أعرض، نفي ذلك بقوله ﴿وقل إني أنا النذير المبين﴾ تحريضاً على الاجتهاد في التحذير، وتثبيتاً للمؤمنين وإرغاماً للمعاندين، واستجلاباً لمن أراد الله إسعاده من الكافرين، إعلاماً بأن القلوب للمؤمنين بيد الله سبحانه وتعالى، فلا وثوق مع ذلك بمقبل، ولا يأمن عن مدبر.
٢٣٩
ولما تمك ذلم على هذا النظم الرصين، والربط الوثيق المتين، التفت الخاطرإلى حال من يندرهم، وكان كفار قريش - في تقسيمهم القول في القرآن واقتسامهم طرق مكة لإشاعة ذلك البهتان، تنفيراً لمن أراد الإيمان - أشبه شيء بالمقتسمين على صالح عليه السلام، قال تعالى ﴿كما﴾ أي آتينا أولئك المقتسمين آياتنا فكانوا عنها معرضين، مثل ما ﴿أنزلنا﴾ آياتنا ﴿على المقتسمين﴾ أي الذين تقاسموا برغبة كبيرة واجتهاد في ذلك ﴿الذين جعلوا القرآن عضين﴾ أي ذا أعضاء أي أجزاء متفاصلة متباينة مثل أعضاء الجزور إذا قطعت، جمع عضة مثل عدة وأصلها عضوة ﴿فوربك لنسئلنهم أجمعين﴾ أي لا يمتنع علينا منهم أحد ﴿عما كانوا يعلمون فاصدع﴾ أي بسبب أمرنا لك بالإنذار وإخبارك أنا نسأل كل واحد عماعمل ﴿بما تؤمر وأعرض عن المشركين﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٥


الصفحة التالية
Icon