ولما كان الجزم بالأمور المستقبلة لا يليق إلا عند نفوذ الأمر، ولا نفوذ إلا لمن لا كفوء له، وكانت العجلة - وهي الإتيان بالشيء قبل حينه الأولى به - نقصاً ظاهراً لا يحمل عليها إلا ضيق الفطن، وكان التأخر لا يكون إلا عن منازع مشارك، نزه نفسه سبحانه تنزيهاً مطلقاً جامعاً بقوله تعالى :﴿سبحانه﴾ أي تنزه عن الاستعجال وعن جميع صفات النقص ﴿وتعالى﴾ أي تعالياً عظيماً جداً ﴿عما يشركون *﴾ أي يدعون أنه شريك له، فلا مانع له مما يريد فعله، وساقه في غير قراءة حمزة والكسائي - في أسلوب الغيبة، إظهاراً للإعراض الدال على على شدة الغضب، وهي ناظرة إلى قوله آخر التي قبلها ﴿وأعرض عن المشركين﴾ [الحجر : ٩٤] وقوله :﴿الذين يجعلون مع الله إلهاً ءاخر﴾ [ الحجر : ٩٦] وقد آل الأمر في نظم الآية إلى أن صار كأنه قيل : إنه لا يعجل لأنه منزه عن النقص، ولا بد من نفاذ أمره لأنه متعالٍ عن الكفوء ؛ أو يقال : لا تستعجلوه فلا بد من وقوعه، فهي واقعة موقع التعليل لصدر الآية تعليل لآخر سورة الحجر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤٣