هو المنعم، فوجب اختصاصه بالعبادة، وأخبرهم سبحانه أنه أوجب هذا البيان على نفسه فضلاً منه فقال تعالى :﴿وعلى﴾ أي قد بين لكم الطريق الأمم وعلى ﴿الله﴾ أي الذي له الإحاطة بكل الشيء ﴿قصد السبيل﴾ أي بيان الطريق العدل، وعلى الله بيان الطريق الجائر حتى لايشك في شيء منهما، فإن الطريق المعنوية كالحسية، منها مستقيم من سلكه اهتدى ﴿ومنها جائر﴾ من سلكه ضل عن الوصول فهلك ﴿وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم﴾ [التوبة : ١١٥ ] الآية ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً﴾ [ الإسراء : ١٥] فالآية من الاحتباك : ذكر أن عليه بيان القصد أولاً دلالة على حذف أن عليه بيان الجائر ثانياً، وذكر أن من الطرق الجائر ثانياً دلالة على حذف أن منها المستقيم أولا، وتعبير الأسلوب لبيان أن المقصود بالذات إنما هو بيان النافع، ومادة قصد تدور على العدل المواه، ومنه القصد، أي الاستقامة، واستقامة الطريق من غير تعريج، وضد الإفراط كالاقتصاد، ورجل ليس بالجسيم ولا بالضئيل، وذلك لا يكون إلا عن إرادة وتوجه، فإطلاق القصد على العزم مستقيماً كان أو جائراً، إذا قلت : قصدته - بمعنى أتيته أوأمتعه ونويته، من دلالة الالتزام، وكذا القصد بمعنى الكسر بأيّ وجه كان، وقيل : لا يقال : قصد، إلا إذا كان بالنصف، والقصيد : ما تم شطر أبياته، لأن ذلك أعدل حالاته، قال في القاموس : ثلاثة أبيات فصاعداً أو ستة عشر فصاعداً ؛ وقال الإمام أبو الفتح عثمان بن جني في آخر كتابه المغرب في شرح القوافي : فالبيت على ثلاثة أضرب : قصير، ورمل، وزجر، فأما القصيد فالطويل التام، والبسيط التام، والكامل التام، والمديد التام، والوافر التام، والرجز التام، والخفيف التام، وهو كل ما تغنى به الركبان، ومعنى قولنا : المديد اتام والوافرالتام.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤٧