فقال بعد ما دل به من الإنسان وما يليه في الشرف من الحيوان مبتدئاً بما يليهما في الشرف من النبات الذي هو قوام حياة الإنسان وما به قوام حياته من الحيوان :﴿هو﴾ لا غيره مما تدعى فيه الإلهية ﴿الذي أنزل﴾ أي بقدرته الباهرة ﴿من السماء﴾ قيل : نفسها.
وقيل : جهتها، وقيل : السحاب - كما هو مشاهد ﴿ماء﴾ أي واحداً تحسونه بالذوق والبصر ﴿لكم منه﴾ أي خاصة ﴿شراب﴾ ظاهر على وجه الأرض من العيون والأنهار والغدران وغيرها.
ولما كان أول ما يقيم الآدمي شراب اللبن الناشئ عن الماء فقدمه، أتبعه ما ينشأ منه أشرف أغذيته وهو الحيواني، فقال تعالى :﴿ومنه شجر﴾ لسريانه في الأرض الواحدة واختلاطه بها، فينعقد من ذلك نبات ﴿فيه تسيمون*﴾ أي ترعون على سبيل الإطلاق ليلاً ونهاراً ما خلق لكم من البهائم، والشجر هنا - بما أفهمته الإسامة - عام لما يبقى في الشتاء حقيقة، ولغيره مجازاً ؛ قال القزاز : الشجر ما بقي له ساق في الشتاء إلى الصيف، ثم يورق، والبقل ما لايبقى له ساق، قال الخليل : جل الشجر عظامه وما يبقى منه في الشتاء حقيقة، ودقه صنفان : أحدهما تبقى له أورمة في الأرض في الشتاء، وينبت في الربيع، ومنه ما ينبت من الأرض كما تنبت البقلة، والفرق بينه وبين البقل أن الشجر يبقى له أورمة على الشتاء ولا يبقى للبقل، وعن أبي حنيفة رضي الله عنه أن النبات ثلاثة أقسام : شجر وهو ما يبقى في الشتاء، ولا يذهب فرعه ولا أصله، وما نبت ف برز ولم ينبت في أورمة ثابتة فهو البقل، وما نبت في أورمة - أي أصل - وكان مما يهلك فرعه وأصله في الشتاء فهو الجنبة، لأنه فارق الشجر الذي يبقى فرعه ولا أصله، والبقل الذي يبيد فرعه وأصله، فكان جنبة بينهما.