ولما كان ربما قال بعض الضلال : إن هذه الأشياء مستندة إلى تأثير الأفلاك، نبه على أنها لا تصلح لذلك بكونها متغيرة فلا بد لها من قاهر أثر فيها التغير، ولا يزال الأمر كذلك إلى أن ينتهي إلى واحد قديم فاعل بالاختيار، لما تقرر من بطلان التسلسل، فقال تعالى :﴿وسخر لكم﴾ أي أيها الناس لإصلاح أحوالكم ﴿الَّيل﴾ للكسنى ﴿والنهار﴾ للابتغاء ؛ ثم ذكر آية النهار فقال تعالى :﴿والشمس﴾ أي لمنافع اختصها بها، ثم ذكر آية الليل فقال :﴿والقمر﴾ لأمور علقها به ﴿النجوم﴾ أي لآيات نصبها لها، ثم نبه على تغيرها بقوله :﴿مسخرات﴾ أي بأنواع التغير لما خلقها له على أوضاع دبرها ﴿بأمره﴾ سبباً لصلاحكم وصلاح ما به قوامكم، دلالة على وحدانيته وفعله بالاختيار، ولو شاء لأقام أسباباً غيرها أو أغنى عن الأسباب.
ولما كان أمرها مع كونه محسوساً - ليس فيه من المنافع القريبة الأمر السهلة الملابسة ما يشغل عن الفمر فيه، لم يحل أمره إلى غير مطلق العقل، إشارة إلى وضوحه وإن كان لا بد فيه من استعمال القوة المفكرة، ولأن الآثار العلوية أدل على القدرة الباهرة، وأبين شهادة للكبرياء والعظمة، فقال :﴿إن في ذك﴾ أي التسخير العظيم ﴿لآيات﴾ أي كثيرة متعددة عظيمة ﴿لقوم يعقلون﴾ وجمع الآيات لظهور تعدادها بالتحديث عنها مفصلة.