ولما كانت الدلالة بالنجم أنفع الدلالات وأعمها وأوضحها براً وبحراً ليلاً ونهاراً، نبه على عظمها بالالتفات إلى مقام الغيبة لإفهام العموم لئلا يظن أن المخاطب مخصوص، وأن الأمر لا يتعداه، فقال تعالى :﴿وبالنجم هم﴾ أي أهل الأرض كلهم، وأولى الناس بذلك أول المخاطبين، وهم قريش ثم العرب كلها، لفرط معرفتهم بالنجوم ﴿يهتدون*﴾ وقدم الجار تنبيهاً على أن دلالة غيره بالنسبة إليه سافلة.
ولما لم يبق - بذكر الدلائل على الوحدانية على الوجه الأكمل، والترتيب الأحسن، والنظم الأبلغ - شبهة في أن الخالق إنما هو الله، لما ثبت من وحدانيته، وتمام علمه وقدرته، وكمال حكمته، لجعله تلك الدلائل نعماً عامة، ومنناً تامة، مع اتضاح العجز في كل ما يدعون فيه الإلهية من دونه، واتضاح أنه سبحانه في جميع صنعه مختار، للمفاوتة في الوجود والكيفيات بين ما لا مقتضى للتفاوت فيه غير الاختيار، فثبت بذلك أنه قادر على الإًّتيان بما يريد.
قال مسبباً عن ذلك :﴿أفمن يخلق﴾ أي يجدد ذلك حيث أراد ومتى أراد فلا يمكن عجزه بوجه لتمكن شركته ﴿كمن﴾ شركته ممكنة، فهو أصل في ذلك بسبب أنه ﴿لا يخلق﴾ أي لا يقع ذلك منه وقتاً ما من الأصنام وغيرها، في العجز عن الإتيان بما يقوله ؛ المستلزم لأن يكون ممكناً مخلوقاً، ولو كان التشبيه معكوساً كما قيل لم يفد ما أفاد هذا التقدير من الإبلاغ في ذمهم بإنزال الأعلى عن درجته، وعبر بـ " من " لأنهم سموها آلهة، وأنهى أمرها أن تكون عاقلة، فإذا انتفى عنها وصف الإلهية معه لعدم القدرة على شيء انتفى بدونه من باب الأولى.
ولما سبب عن هذه الأدلة إنكار تسويتهم الخالق بغيره في العجز، سبب عن هذا الإنكار إنكار تذكرهم، حثاً لهم على التذكر المفيد لترك الشرك فقال :﴿أفلا يتذكرون*﴾ بما تشاهدونه من ذلك ولو من بعض الوجوه - بما أفاده الإدغام - لتذكروا ما يحق اعتقاده.
٢٥٥
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٤


الصفحة التالية
Icon