ولما كان علم السر لا يستلزم علم الجهر - كما مضى غير مرة، قال :﴿وما يعلنون﴾ فهو أخبر بذلك إلا عن أمر قطعي لا يقبل المراء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٧
ولما كان في ذلك معنى التهديد، لأن المراد : فليجازينهم على دق ذلك وجهل من غير أن يغفر منه شيئاَ - كما يأتي التصريح به في قوله :﴿ليحملوا أوزارهم كاملة﴾ [ النحل : ٢٥] علل هذا المعنى بقوله :﴿إنه﴾ أي العالم بالسر والعلن ﴿لا يحب المستكبرين*﴾ أي على الحق، كائناً ما كان.
ولما كان الطعن في القرآن - بما ثبت من عجزهم عن معارضته - دليل الاستكبار قال تعالى عاطفاً على قوله ﴿قلوبهم منكرة﴾ :﴿وإذا قيل﴾ أي من أيّ قائل كان في أي وقت كان ولو تكرر ﴿لهم﴾ أي لمنكري الآخرة :﴿ماذا﴾ أي أي شيء ﴿أنزل ربكم﴾ أي المحسن إليكم المدبر لأموركم ﴿قالوا﴾ مكابرين في إنزاله عادّين " ذا " موصولة لا مؤكدة للاستفهام : الذي تعنون أنه منزل ليس منزلاً، بل هو ﴿أساطير الأولين﴾ - مع عجزهم بعد تحديهم عن معارضة سورة منه مع علمهم بأنه أفصح الناس وأنه لا يكون من أحد من الناس متقدم أو متأخر قول إلا قالوا أبلغ منه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٧
ولما كان الكتاب هو الصراط المستقيم المنقذ من الهلاك، وكان قلوبهم هذا صداً عنه، فكان - مع كونه ضلالاً، ومن المعلوم أن من ضل كان عليه إثم ضلاله، ومن أضل كان عليه وزر إضلاله - هذا ما لايخفي على ذي عقل صحيح، فلما كان هذا
٢٥٨