ولما كانت الرتب كلها مقتاصرة عن رتبته وكانت متفاوته، وكان ما يعبدونه من الأصنام في أدناها رتبة، أدخلوا فقالوا :﴿من دونه﴾ وأعرقوا في النفي فقالوا :﴿من شيء﴾ أي من الأشياء ﴿نحن ولا ءاباؤنا﴾ من قبلنا‍! ولما ذكروا الأصل أتبعوه الفرع فقالوا :﴿ولا حرمنا﴾ أي على أنفسنا ﴿من دونه﴾ أي دون أمره ﴿ن شيء﴾ لأن ما يشاء لا يتخلف على زعمكم، لكنه لم يشأ العدم، فقد شاء وجود ما نحن عليه، فنحن نتبع ما شاءه لا نتغير عنه، لأنه لا يشاء إلا ما هو حق، وضل عن الأشقياء - بكلمتهم هذه ا لحق التي أرادوا بها الباطل - أن مدار السعادة والشقاوة إنما هو موافقة الأمر لا موافقة الإرادة، فما كان من الفعل والكف على وفق الأمر سعد فاعله، وما خالفه قامت به الحجة على فاعله على ما جرت به عوائد الناس فشقي.
٢٦٦
فلما انتهك ستر هذه المقالة اللموهة، وكان كأنه قيل استبعاداً لها : هل قالها غيرهم ؟ فقيل : نعم! ﴿كذلك﴾ أي مثل هذا البعيد من السداد، والقول الخارج عن الهداية والرشاد، وهو الاعتراض على ربهم في إرسال الرسل، مانعين لجواز الإرسال بهذه الشبهة الضعيفة، فإنه تعالى يريد إظهار ثمرة الملك بالحكم على ما يتعارفه العباد من إقامة الحجة بالأفعال الاختيارية وإن كانت بقضائه، لأن ذلك مستور عن العباد ﴿فعل﴾ أي كذب بدليل الأنعام ﴿الذين﴾ ودل على عدم الاستغراق للزمان بقوله :﴿من قبلهم﴾ وكان تكذيباً، لان قولهم اقتضى أن يكون ما هم عليه مما يرضاه الله، والرسل يقولون : لا يرضاه، ولا يرضى إلا ما أخبروا بأن صاحبه مثاب عليه أو غير معاقب، فكان ذلك سبباً للإنكار عليهم بقوله :﴿فهل﴾ أي فما ﴿على الرسل﴾ أي الذين لا رسل في الحقيقة غيرهم، وهم الذين أرسلهم الله لدعاء العباد خلفاً عن سلف ؛ ولما كان الاستفهام بمعنى النفي - كما تقدم - إلا أنه صور بصورته ليكون كدعوى الشيء بدليلها فقال :﴿إلا البلاغ المبين*﴾ وقد بلغوكم وأوضحوا لكم، فصار وبال العصيان خاصاً بكم.


الصفحة التالية
Icon