ثم التفت إلى مخاطبتهم إشارة إلى أنه لم يبق بعد هذا الدليل القطعي في نظر البصيرة إلا الدليل المحسوس للبصر فقال :﴿فسيروا﴾ أي فإن كنتم أيها المخاطبون في شك من إخبار الرسل فسيروا ﴿في الأرض﴾ أي جنسها ﴿فانظروا﴾ أي إذا سرتم ومررتم بديار المكذبين وآثارهم، وعبر هنا بالفاء المشيرة إلى التعقب دون تراخ لأن المقام للاستدلال المنقذ من الضلال الذي تجب المبادرة إلى الإقلاع عنه بخلاف ﴿ثم انظروا﴾ في الأنعام لما تقدم، وأشار بالاستفهام إلى أن أحوالهم مما يجب أن يسأل عنه للاتعاظ به فقال :﴿كيف كان﴾ أي كوناً لا قدرة على الخلاص منه ﴿عاقبة﴾ أي آخر أمر ﴿المكذبين*﴾ أي من عاد ومن بعدهم الذين تلقيتم أخبارهم عمن قلدتموهم في الكفرمن أسلافكم، فإنهم كذبوا الرسل فيما أمرتهم بإبلاغه مخالفة لأمري وعملاً بمشيئتي، فأوقعت بهم لأنهم خالفوا أمري باختيارهم مع جهلهم بإرادتي، فقامت عليهم الحجة على ما يتعارفه الناس بينهم.
ولما كان المحقق أنه ليس بعد الإيصال في الاستدلال إلى الأمر المحسوس إلا العناد، أعرض عنهم ملتفتاً إلى الرؤوف بهم الشفيق عليهم، فقال مسلياً له صلى الله عليه وعلى آله وسلم :﴿إن تحرص على هداهم﴾ فتطلبه بغاية جدك واجتهادك ﴿فإن الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿لا يهدي﴾ أي هو بخلق الهداية في القلب - هذا على قراءة
٢٦٨