جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٣
ولما حكم على الظلال بما عم أصحابها من جماد وحيوان، وكان الحيوان أشرف من الجماد، رقي الحكم إليه بخصوصه فقال تعالى :﴿ولله﴾ أي الذي له الأمر كله ﴿يسجد﴾ أي يخضع بالانقياد للمقادير والجري تحت الأقضية، وعبر بما هو ظاهر في غير العقلاء مع شموله لهم فقال تعالى :﴿ما في السماوات﴾ ولما كان المقام للمبالغة في إثبات الحكم على الطائع والعاصي، أعاد الموصول فقال تعالى :﴿وما في الأرض﴾ ثم بين ذلك بقوله تعالى :﴿من دآبة﴾ أي عاقلة وغير عاقلة.
ولما كان المقرب قد يستهين بمن يقربه، قال مبيناً لخضوع المقربين تخصصاً لهم وإن كان الكلام قد شملهم :﴿والملائكة﴾.
ولما كان الخاضع قد يحكم بخضوعه وإن كان باطنه مخالفاً لظاهره، قال - دالاً عل أن في غيرهم من يستكبر فيكون انقياده للإرادة كرهاً، وعبر عن السجودين : الموافق للأمر والإدارة طوعاً، والموافق للارداة المخالف للأمر كرهاً، بلفظ واحد، لأنه يجوز الجمع بين مفهومي المشترك والحقيقة والمجاز بلفظ :﴿وهم﴾ أي الملائكة ﴿لا يستكبرون*﴾ ثم علل خضوعهم بقوله دلالة على أنهم كغيرهم في الوقوف بين الخوف والرجاء :﴿يخافون ربهم﴾ أي الموجد لهم، المدبر لأمورهم، والمحسن إليهم، خوفاً مبتدئاً ﴿من فوقهم﴾ إشارة إلى علو الخوف عليهم وغلبته لهم، أو حال كون ربهم مع إحسانه إليهم له العلو والجبروت، فهو المخوف المرهوب، فهم عما نهوا عنه ينتهون ﴿ويفعلون﴾ أي بداعية عظيمة علماً منهم بما عليهم لربهم من الحق مع عدم منازع من حظ أو شهوة أو غير ذلك، ودل على أنهم مكلفون بقوله تعالى :﴿ما يؤمرون*﴾ فهم لرحمته لهم يرجون ؛ فالآية من الاحتباك : ذكر الخوف أولاً دال على الرجاء ثانياً، وذكر الفعل ثانياً دال على الانتهاء أولاً.
٢٧٥
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٣


الصفحة التالية
Icon