ولم كان قد فهم المراد من التثنية، وكان ربما قال المتعنت : إن المنهي عنه تكثير الأسماء، قال مؤكداً ومحققاً :﴿اثنين﴾ تنبيهاً على أن الألوهية لأنه موضع لإمكان التنازع الملزوم للعجز المنافي لتلك الرتبة مطلق العدد ينافي المنيفة الشماء، وفي ذلك أيضاً - مع كون معبوداتهم كانت كثيرة - إشارة إلى أن ما يسمى آلهة - وإن زاد عدده - يرجع بالحقيقة إلى اثنين : خالق ومخلوق، ومن المعلوم لكل ذي لب أن المخلوق غير صالح للألوهية، فانحصر الأمر في الخالق، وإن لم يكن فيه الخالق كان منقسماً لا محالة، وأقل ما ينقسم إلى اثنين : وباب الاتخاذ إذا كان مفعوله نكره، اكتفى بواحد كما تقول : اتخذت بيتاً، واتخذت زوجة - ونحو ذلك، ثم علل ذلك النهي بما اقتضاه السياق من الوحدانية فقال تعالى :﴿إنما هو﴾ أي الإله المفهوم من لفظ ﴿إلهين﴾ الذي لا يستحق غيره أن يطلق عليه هذا الضمير إلا مجازاً، لأنه لا يطلق إطلاقاً حقيقياً إلا على ما وجدوه من ذاته ﴿إله﴾ أي يستحق هذا الوصف على الإطلاق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٦
ولما كان السياق مفهماً للوحدانية من النهي عن التثنية، وكان ربما تعنت متعنت بأن المراد إثبات الإله الدال على الجنس، قال رافعاً لكل شبهة :﴿واحد﴾ أي لا يمكن
٢٧٦
أن يثني بوجه ولا أن يجزأ لغناء المطلق عن كل شيء واحتياج كل شيء إليه، فكونوا ممن يسجد له طوعاً ولا تكونوا ممن لا يسجد له إلا كرهاً.
ولما كان أسلوب الغيبة لا يعين الإله في المتكلم، التفت إلى أسلوب التلكم فقال تعالى :﴿فإياي﴾ أي ذلك الواحد أنا وحدي لا شريك لي، فمن لم يوحدني أوقعت به بقوتي ما لا يطيقه لعجزه.