ولما كان المقصود السورة الدلالة على تمام القدرة وشمول العلم والتنزه عن كل شائبة نقص، وكان السياق هنا لذلك أيضاً بدليل ختم الآية، نزع الخافض للدلالة على استغراق الجهل لزمن ما بعد العلم، فيتصل بالموت، ولا ينفع فيه دواء ولا تجدي معه
٢٨٩
حيلة فقال :﴿بعد علم شيئاً﴾ لا يوجد في شيء من ذلك عند إحلاله شفاء، ولا يمنعه دواء : فبادروا إلى التفكير والاعتبار قبل حلول أحد هذين، ثم علل ذلك بقوله تعالى :﴿إن الله﴾ أي الذي له الإحاطة الكاملة ﴿عليهم قدير*﴾ أي بالغ العلم شامل القدرة، فمهما أراد كان، ومهما أراد ولم يرده هو، أحاط به علمه، فسبب له بقدرته ما يمنعه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٩
ولما ذكر المفاوتة في الأعمار المنادية بإبطال الطبائع الموجبة للمسابقة إلى الاعتبار لأولي الأبصار للخوف كل لحظة من مصيبة الموت، ثنى بالمفاوتة في الأرزاق فقال تعالى :﴿والله﴾ أي الذي له الأمر كله ﴿فضل بعضكم﴾ أيها الناس ﴿على بعض﴾.
ولما كانت وجوه التفضيل كثيرة، وكان التفضيل في المعاش الذي يظن الإنسان أن له قدرة على تحصيله، وكانت المفاوتة فيه أدل على تمام القدرة والفعل بالاختيار الذي السياق له، قال تعالى :﴿في الرزق﴾ أي ولربما جعل الضعيف العاجز الجاهل أغنى من القوي المحتال العالم، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، وأقبلوا بجميع قلوبكم على ما ينفعكم من الاستبصار ؛ قال الإمام أبو نعيم في الحلية : حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد ثنا أحمد بن أحمد بن عمرو الخلال قال : سمعت ابن أبي عمر يقول : كنا عند سفيان بن عيينه فذكروا الفضل بن الربيع ودهاءه، فأنشأ سفيان يقول :
كم من قويّ قوي في تقلبه مهذب الرأي عنه الرزق منحرف ومن ضعيف ضعيف العقل مختلط كأنه من خليج البحر يغترف