ولما ختم سبحانه بذلك تأكيداً لإبطال مذهب عبدة الأصنام بسلب العلم الذي هو مناط السداد عنهم، حسن أن يصل به قوله - إقامة للدليل على علمه بأن أمثاله لا يتطرق إليها الطعن، ولا يتوجه نحوها الشكوك - :﴿ضرب الله﴾ أي الذي له كمال العلم وتمام القدرة ﴿مثلاً﴾ بالأحرار والعبيد له ولما عبدتموه معه ؛ ثم أبدل من مثلاً :﴿عبداً﴾ ولما كان العبد يطلق على الحر بالنسبة إلى الله تعالى، قال تعالى :﴿مملوكاً﴾ لا مكاتباً ولا فيه شائبة للحرية ﴿ولا يقدر على شيء﴾ بإذن سيده ولا غيره، وهذا مثل شركائهم، ثم عطف على " عبداً " قوله :﴿ومن رزقناه منا﴾ من الأحرار ﴿رزقاً حسناً﴾ واسعاً طيباً ﴿فهو ينفق منه﴾ دائماً، وهو معنى ﴿سراً وجهراً﴾ وهذا مثل الإله وله المثل الاعلى ؛ ثم بكتهم إنكاراً عليهم بقوله تعالى :﴿هل يستون﴾ أي هذان الفرقان الممثل بهما، لأن المراد الجنس، فإذا كان لا يسوغ في عقل أن يستوي بين مخلوقين : أحدهما حر مقتدر والآخر مملوك عاجز، فكيف يسوي بين حجر موات أو غيره وبين الله الذي له القدرة التامة على كل شيء ؟ ولما كان الجواب قطعاً : لا وعلم أن الفاضل ما كان مثالاً له سبحانه، على أن من سوى بينهما أو فعل ما يؤول إلى التسوية أجهل الجهلة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٢
فثبت مضمون ﴿إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ وأن غيره تعالى لا يساوي شيئاً، فثبت بلا ريب أنه المختص بالمثل الأعلى، فعبر عن ذلك بقوله تعالى :﴿الحمد لله﴾ أي له الإحاطة بالعلم وجيمع صفات
٢٩٣


الصفحة التالية
Icon