ولما انكشف ضلالهم في تسويتهم الأنداد - الذين لا قدرة لهم على شيء ما - بالله الذي له الإحاطة بكل شيء قدرة وعلماً، حسن كل الحسن توبيخهم والإنكار عليهم بقوله تعالى :﴿هل يستوي هو﴾ أي هذا المذكور ﴿ومن﴾ أي ورجل آخر على ضد صفتهن فهو عالم فطن قوي خبير مببارك الأمر ميمون النقيبة ﴿يأمر﴾ بما له من العلم والقدرة ﴿بالعدل﴾ أي ببذل النصيحة لغيره ﴿وهو﴾ في نفسه ظاهراً وباطناً ﴿على صراط﴾ أي طريق واضح واسع ﴿مستقيم﴾ أي عامل بما يأمر به، وهذا مثال للمعبود بالحق الذي يكفي عابده جميع المؤن، وهو دال على كمال علمه وتمام قدرته.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٢
ولما تم هذان المثلان، الدالان على تمام علمه وشمول قدرته، والقاضيان بأن غيره عدم، عطف على قوله ﴿إن الله يعلم﴾ قوله مصرحاً بتمام علمه وشمول قدرته :﴿ولله﴾ أي هذاعلم الله في المشاهدات الذي علم من هذه الأدلة أنه مختص به، ولذي الجلال والإكرام وحده ﴿غيب السماوات والأرض﴾ كما أن له وحده شهادتهما، فما أراد من ذلك كانت قدرته عليه كقدرته على الشهادة من الساعة التي تنكرونها استعظاماً لها، ومن
٢٩٥
غيرهما بما فصله لكم من أول السورة إلى هنا من خلق السماوات والأرض وما فيهما ﴿وما أمر الساعة﴾ وهي الوقت الذي يكون فيه البعث، على اعتقادكم أنها لا تكون استبعاداً لها واستصعاباً لأمرها في سرعته عند الناس لو رأوه، ولذا عبر عنه بالساعة ﴿إلا كلمح البصر﴾ أي كرجع الطرف المنسوب إلى البصر أيّ بصر كان ﴿أو هو أقرب﴾ وإذا الخلق قد قاموا من قبورهم مهطعين إلى الداعي - هذا بالنسبة إلى علمهم وقياسهم، وأما بالنسبة إليه سبحانه فأمره في الجلالة والعظم والسرعة والإتقان يجل عن الوصف، وتقصر عنه العقول، ولا شك فيه ولا تردد، ولذلك علله بقوله تعالى :﴿إن الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿على كل شيء﴾ أي ممكن ﴿قدير*﴾.