ولما تم ذلك كان كأنه قيل : نبهنا سبحانه بهذا الكلام على تمام نعمة الإيجاد، فهل بعدها من نعمة ؟ فقال : نعم! ﴿كذلك﴾ أي كما أتم انعمة الإيجاد عليكم هذا الإتمام العظيم بهذه الأمور ونبهكم عليها ﴿يتم نعمته عليكم﴾ في الدنيا والدين بالهداية والبيان لطريق النجاة والمنافع، والتنبيه على دقائق ذلك بعد جلائله ﴿لعلكم تسلمون*﴾ أي ليكون حالكم - بما ترون من كثرة إحسانه بما لا يقدر عليه غيره مع وضوح الأمر - حال من يرجى منه إسلام قياده لربه، فلا يسكن ولا يتحرك إلا في طاعته.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٧
فلما صار هذا البيان، إلى أجل من العيان، كان ربما وقع في الوهم أنهم إن لم يجيبوا لِحقَ الداعي بسبب إعراضهم حرج، فقال تعالى نافياً لذلك معرضاً عنهم بإعراض المغضب، مقبلاً عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إقبال المسلي، معبراً بصيغة التفعل المفهمة لأن الفطر الأولى داعية إلى الإقبال على الله فلا يعرض صاحبها عما يرضيه سبحانه إلا بنوع معالجة :﴿فإن تولوا﴾ أي كلفوا أنفسهم الإعراض ومتابعة الأهواء فلا تقصير عليك بسبب توليتهم ولا حرج ﴿فإنما﴾ أي بسبب أنه إنما ﴿عليك البلاغ المبين*﴾ وليس عليك أن تردهم عن العناد، فكأنه قيل : فهل كان إعراضهم عن جهل أو عناد ؟ فقيل فيهم وفيهم :﴿يعرفون﴾ أي كلهم ﴿نعمت الله﴾ أي الملك الأعظم، التي تقدم عد بعضها في هذه السورة وغيرها ﴿ثم ينكرونها﴾ بعبادتهم غير المنعم بها أو بتكذيب الآتي بالتنبيه عليها، بعضهم لضعف معرفته، وبعضهم عناداً، وكان بعضهم يقول : هي من الله ولكن بشفاعة آلهتنا ﴿وأكثرهم﴾ أي المدعوين بالنسبة إلى جميع أهل الأرض الذين أدركتهم دعوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ﴿الكافرون*﴾ أي المعاندون الراسخون في الكفر.