﴿والإحسان﴾ وهو فعل الطاعة على أعلى الوجوه، فالعدل فرض، والإحسان فضل، وهو مجاوزة النصفة إلى التحامل على النفس، لأنه ربما وقع في الفرض نقص فجبر بالنفل، وهو في التوحيد الارتقاء عن أول الدرجات، ومن أعلاه الغنى عن الأكوان، وتكون الأكوان في غيبتها عند انبساط نور الحق كالنجوم في انطماسها عند انتشارنور الشمس، وغايته الفناء حتى عن هذا الغنى، وشهود الله وحده، وهو التوحيد على الحقيقة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه "الإحسان أن تعبد الله
٣٠٣
كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وهو روح الإنسانية، ففي الجزء الثامن من الثقفيات عن عاصم بن كليب الجرمي قال : حدثني أبي كليب أنه شهد مع أبيه جنازة شهدها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال : وأنا غلام اعقل وأفهم، قال : فانتهى بالجنازة إلى القبر ولما يمكن لها فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول "سوّ ذا أو خذ ذا!" قال : حتى ظن الناس أنها سنة، فالتفت إليهم فقال :"أما أن هذا لا ينفع الميت ولايضره، ولكن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن.
" ﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٣
وإيتاء ذي القربى﴾ فإنه من الإحسان، وهو أولى الناس بالبر، وذلك جامع للاحسان في صلة الرحم.
ولما أمر بالمكارم، نهى عن المساوئ والملائم فقال تعالى :﴿وينهى عن الفحشاء﴾ وهي ما اشتد تقصيره عن العدل فكان ضد الإحسان ﴿والمنكر﴾ وهو ما قصر عن العدل في الجملة ﴿والبغي﴾ وهو الاستعلاء على الغير ظلماً، وقال البيضاوي في سورة الشورى : هو طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتجرأ كمية أو كيفية.