ولما وعد بعد أن توعد، أتبعه ما يبين أن ذلك لا يخص شريفاً ولا وضيعاً، وإنما هودائر مع الوصف الذي رمز إليه فيما مضى بالعدل تارة، وبالعهد أخرى، وهو الإيمان، فقال تعالى جواباً لمن كأنه قال : هذا خاص بأحد دون أحد، مرغباً في عموم شرائع الإسلام :﴿من عمل صالحاً﴾ ولما كانت عامة، وكانت ربما خصت الذكور، بين المراد من عمومها بقوله تعالى :﴿من ذكر أو أنثى﴾ فعم ثم قيد مشيراً بالإفراد إلى قلة الراسخين بقوله تعالى :﴿وهو مؤمن﴾.
ولما كان الإنسان كلما علا في درج الإيمان، كذا جديراً بالبلاء والامتحان، بين تعالى أن ذلك لا ينافي سعادته، ولذلك أكد قوله :﴿فلنحيينه﴾ دفعاً لما يتوهمه المستدرجون بما فعل يعجل لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ﴿حياة طيبة﴾ أي في الدنيا بما نؤتيه من ثبات القدم، وطهارة الشيم ﴿ولنجزينهم﴾ كلهم ﴿أجرهم﴾ في الدنيا والآخرة ﴿بأحسن ما كانوا﴾ أي كوناً جبلياً ﴿يعلمون*﴾ قال العلماء رضي الله عنهم : المطيع في عيشه هنيئة، إن كان موسراً فلا كلام فيه، وإن كان معسراً فبالقناعة والرضى بحكم النفس المطمئنة، والفاجر بالعكس، إن كان معسراً فواضح، وإن كان موسراً فحرصه لا يدعه يتهنأ فهو لا يزال في عيشه ضنك.
ولما تقررت هذه الأحكام على هذه الوجوه الجليلة، وأشارت بحسن ألفاظها وشرف سياقها إلى أغراض هي مع جلالتها غامضة دقيقةن فلاح بذلك أن القرآن تبيان لكل شيء في حق من سلم من غوائل الهوى وحبائل الشيطان، وختم ذلك بالحث على العمل الصالح، وكان القرآن تلاوة وتفكراً وعملاً بما ضمن أجل الأعمال الصالحة، تسبب عن ذلك الأمر بأنه إذا قرئ هذا القرآن المنزل على مثل تلك الأساليب الفائقة يستعاذ من الشيطان لئلا يحول بوساوسه بين القارئ وبين مثل تلك الأغراض والعمل بها، وحاصله الحث على التدبر وصرف جميع الفكر إلى التفهم والالتجاء إليه تعالى في كل عمل صالح لئلا يفسده الشيطان بوساوسه، أو يحول بين الفهم وبينه، بياناً لقدر
٣٠٩