ولما كان مطلق الجزاء مخوفاً مقلقاً، بنى للمفعول قوله :﴿وتوفَّى كل نفس﴾ صالحة وغير صالحة ﴿ما عملت﴾ أي جزاء من جنسه ﴿وهم﴾ ولما كان المرهوب مطلق الظلم، وكان البناء للمفعول أبلغ جزاء في نفيه قال تعالى :﴿لا يظلمون*﴾ أي لا يتجدد عليهم ظلم لا ظاهراً ولا باطناً، ليعلم بإبدال " يوم " من ذلك المتقدم أن الخسارة بإقامة الحق عليهم لا بمجرد أسكاتهم.
ولما عقب سبحانه ما ضرب سابقاً من الأمثال بقوله تعالى ﴿ورزقكم من الطيبات﴾ وتلاه بذكر الساعة بقوله تعالى :﴿وما أمر الساعة﴾ إلى آخره، واستمر فيما مضت مناسباته آخذاً بعضه بحجز بعض حتى ختم بالساعة وآمن من الظلم فيها، وبن أن الأعمال هناك هي مناط الجزاء، عطف على ما مضى - من الأمثال المفروضة المقدرة المرغبة - مثلاً محسوساً موجوداً، مبيناً أن الأعمال في هذه الدار أيضاً مناط الجزاء، مرهباً من المعاجلة فيها بسوط من العذاب فقال تعالى :﴿وضرب الله﴾ أي الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً لكم أيها المعاندون! ﴿مثلاً قرية﴾ من قرى الماضين التي تعرفونها كقرية هود أو صالح أو لوط أو شعيب عليهم السلام كان حالها كحالهم، وعن
٣١٦
ابن عباس رضي الله عنهما أنها مكة ﴿كانت ءامنة﴾ أي ذات أمن يأمن به أهلها في زمن الخوف ﴿مطمئنة﴾ أي تارة بأهلها، لا يحتاجون فيها إلى نحعة وانتقال بسبب زيادة الأمن بكثرة العدد وقوة المدد، وكف الله الناس عنها، ووجود ما يحتاج إليه أهلها ﴿يأتيها﴾ أي على سبيل التجدد والاستمرار ﴿رزقها رغداً﴾ أي واسعاً طيباً ﴿من كل مكان﴾ براً وبحراً بتسيير الله تعالى لهم ذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٦