ولما بين هذه النعمة الدنيوية عطف عليها نعمة هي أكبر منها جداً، استجلاباً لكل ظالم، وبين عظمتها بحرف التراخي فقال تعالى :﴿ثم إن ربك﴾ أي المحسن إليك ﴿للذين عملوا السوء﴾ وهو كل ما من شأنه أن يسوء، وهو ما لا ينبغي فعله ﴿بجهالة﴾ كما عملتم وإن عظم فعلهم وتفاحش جهلهم ﴿ثم تابوا﴾.
ولما كان سبحانه يقبل اليسير من العمل، أدخل الجار فقال تعالى :﴿من بعد ذلك﴾ أي الذنب ول كان عظيماً، فاقتصروا على ما أذن فيه خالقهم ﴿وأصلحوا﴾ بالاستمرار على ذلك ﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك بتسهيل دينك وتيسيره.
ولما كان إنما يغفر بعد التوبة ما عدا الشرك الواقع بعدها، أدخل الجار فقال تعالى :﴿من بعدها﴾ أي التوبة وما تقدمها من أعمال السوء ﴿لغفور﴾ أي بليغ الستر لما عملوا من السوء ﴿رحيم*﴾ أي محسن بالإكرام فضلاً ونعمة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٩
٣٢٠
ولما دعاهم إلى مكارم الأخلاق ونهاهم عن مساوئها بقبوله لمن أقبل إليه وإن عظم جرمه، إجابة لدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام في قوله ﴿فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم﴾ [إبراهيم : ٣٦] أتبع ذلك ذكره ترغيباً في اتباعه في التوحيد والميل مع الأمر والنهي إقداماً وإحجاماً إن كانوا ممن يتبع الحق أو يقلد الآباء، فقال على سبيل التعليل لما قلبه :﴿إن إبراهيم﴾ أي أباكم الأعظم إمام الموحدين ﴿كان أمة﴾ فيه من المنافع الدنيوية والأخروية ما يوجب أن يؤمه ويقصده كل أحد يمكن انتفاعه به ﴿قانتاً﴾ أي مخلصاً ﴿لله﴾ أي الملك الذي له الأمر كله ليس فيه شيء من الهوى ﴿حنيفاً﴾ ميالاً مع الأمر والنهي بنسخ أو بغيره، فكونوا حنفاء أتباعاً للحق، لما قام عليه من الأدلة، واستناناً بأعظم آبائكم.