الملازمة لدعائهم على هذا الوجه بقوله تعالى :﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك بالتخفيف عنك ﴿هو﴾ أي وحده ﴿أعلم﴾ أي من كل من يتوهم فيه علم ﴿بمن ضل عن سبيله﴾ فكان في أدنى درجات الضلال - وهو أعلم بالضالين الراسخين في الجور عن الطريق - فلا انفكاك له عن الضلال، وهو أعلم بمن اهتدى لسبيله فكان في أدنى درجات الهداية ﴿وهو﴾ أي خاصة ﴿أعلم بالمهتدين*﴾ أي الذين هم في النهاية منها، فالآية من الاحتباك : ذكر أولاً " من ضل " دليلاً على حذف ضده ثانياً، و﴿المهتدين﴾ ثانياً دليلاً على حذف ضدهم أولاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٣
وأما أنت فلا علم لك بشيء من ذلك إلا بإعلامنا، وقد ألزمناك البلاغ المبين، فلا تفتر عنه معرضاً عن الحرص المهلك واليأس فإنه ليس عليك هداهم.
٣٢٤
ولما بين أمر الدعوة وأوضح طرقها وقدم أمر الهجرة والإكراه في الدين والفتن فيه المشير إلى ما سبب ذلك من المحن والبلاء من الكفار ظلماً، وختم ذلك بالأمر بالرفق بهم، عم - عد ماخصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم به من الأمر بالرفق، بالأمر لأشياعه بالعدل والإحسان كما تقدم ولو مع أعدى الأعداء، والنهي عن مجازاتهم إلا على وجه العدل - فقال تعالى :﴿وإن عاقبتم﴾ أي كانت لكم عاقبة عليهم تتمكنون فيها من أذاهم ﴿فعاقبوا بمثل ما﴾ ولما كان الأمر عاماً في كل فعل من المعاقبة من أيّ فاعل كان فلم يتعلق بتعيين الفاعل غرض، بنى للمفعول قوله تعالى :﴿عوقبتم به﴾ وفي ذلك إشارة - على ما جرت به عوائد الملوك في كلامهم - إلى إدالتهم عليهم وإسلامهم في يديهم، وجعله بأداة الشك إقامة بين الخوف والرجاء.
ولما أباح لهم درجة العدل، رقاهم إلى رتبة الإحسان بقوله تعالى :﴿ولئن صبرتم﴾ بالعفو عنهم ﴿لهو﴾ أي الصبر ﴿خير للصابرين*﴾ وأظهر في موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً بالوصف.