ولما كان حرف الجر مقصوراً على إفادة التعدية في " سرى " الذي بمعنى أسرى وكان أسرى يستعمل متعدياً وقاصراً عبر به، واختير القاصر للدلالة على المصاحبة زيادة في التشريف فقال تعالى :﴿بعبده﴾ أي الذي هو أشرف عباده وأحقهم بالإضافة إليه الذي لم يتعبد قط لسواه من صنم ولا غيره لرجاء شفاعة ولا غيرها.
ولما كان الإسراء هو السير في الليل، وكان الشيء قد يطلق على جزء معناه بدلالة التضمن مجازاً مرسلاً، نفي هذا بقوله تعالى :﴿ليلاً﴾ وليدل بتنوين التحقير على أن هذا الأمر الجليل كان في جزء يسير من الليل، وعلى أنه عليه الصلاة والسلام لم يجتج - في الإسراء والعروج إلى سدرة المنتهى وسماع الكلام من العلي الأعلى - إلى رياضة بصيام ولا غيره، بل كان مهيئاً لذلك متأهلاً له، فأقامه تعالى من الفرش إلى العرش ﴿من المسجد الحرام﴾ أي من الكعبة المشرفة مسجد إبراهيم عليه السلام، قيل : كان نائماً في الحطيم، وقيل : في الحجر، وقيل : في بيت أم هانئ - وهو قول الجمهور، فالمراد بالمسجد حينئذ الحرم لأنه فناء المسجد ﴿إلى المسجد الأقصى﴾ أي
٣٢٨