ولم يزل يقوم فيهم بمثل هذا من كلام في غاية البلاغة والرقة بحيث يفتت الأكباد، ويصدع القلوب، ويفيض العيون، نحو أربع كراريس، لولا خوف الملالة وكراهة الإطالة لأتيت بكثير منه، وكان المتنبئون الكذبة يقومون فيهم بخلاف ذلك مما يؤمنهم إلى أن ضربوا إرميا ليترك عنهم مثل ذلك، فلم يكن يستطيع تركه وقال لشخص من المتنبئين اسمه حنينا : إن الرب لم يرسلك، أنت وكلت هذا الشعب على الزور، ومن أجل هذا يقول الرب : هو ذا أطرحك عن وجه الأرض، وفي هذه السنة تموت، لأنك تكلمت بالإثم قدام الرب، فمات حنينا النبي الكذاب في تلك السنة في الشهر السابع.
ثم زاد تحذير إرميا لهم إلى أن حبسوه، ثم إن الله تعالى أمره أن يكتب لهم ما يوحيه إليه في صحيفة ويرسلها إليهم، فدعا باروخ بن ناريا الكاتب وأمره بكتابة ما أنطقه به الرب وقال له ها أنا محبوس ولست أستطع أن أدخل بيت الرب، فخذ هذه الصحيفة وادخل أنت إلى بيت الرب في يوم الصوم واقرأها عليهم، فإنها كلام الرب، لعلهم
٣٤١
يرجعون عن طريقة السوء، ويكف الرب عن الشر الذي قاله عليهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٧
لأنه عظيم الرجز والغضب الذي تكلم به الرب على هذا الشعب.
ففعل باروخ ذلك، فأخذوا الصحيفة من يده وأوصلوها إلى الملك يواقيم بن يوشيا فشققها وأحرقها بالنار، فأمره الله أن يكتب صحيفة أخرى مثلها ويزيد ما يأمره الله به، ومنه أن يواقيم ملك يهوذا لا يكون له من يجلس على كرسي داود عليه السلام، وجيفته تكون مطروحة في السموم بالنهار وفي الجليد بالليل، وآمر به وبذريته وبعبيده، وآتى على أورشليم وعلى سكانها وعلى بيت يهوذا بكل الشر الذي قلت عليهم، لأنهم لم يسمعوا صوتي.