فصاح الخوارج بشتم يوسف والفرية عليه ورموه بالسهام والحجارة، فتباعد قليلاً وأغلظ لهم في الكلام وقال : يا معشر العصا! أخبروني ما الذي حملكم على قتال الروم إن كنتم تقصدون بذلك صيانة القدي عن الأعداء فأنتم قد ابتذلتموه بالمعاصي نجستموه بما سفكتم فيه من الدماء الكثير ظلماً، وإن كنتم تريدون نصرة الأمة وإعزازها فأنتم تقتلونها بأيديكم وتبالغون في ظلمها والإساءة إليها، وهل يفعل الأعداء بكم أكثر مما فعلتموه ؟ أو يبلغون فيكم أثكر مما قد بلغتموه في أنفسكم ؟ أخبروني متى كان من تقدم من أمتنا أو تأخر يغلبون من يحاربهم ويستظهرون على أعدائهم بالعساكر والعدد دون الصلاح والتقوى ؟ وهل تخلص من تخلص من الشدائد إلا بطاعة الله والدعاء له ؟ وهل كانوا يغلبون إلا بنصر الله لهم ومعونته إياهم ؟ وهل كان ينصرهم إلا إذا أطاعوه واتقوه ؟ فلما عصوه سلط عليهم الأعداء ومكنهم منهم حتى قهروهم وأذلوهم، ولم ينتفعوا بعددهم وسلاحهم ولا قدروا على مقاومة الأعداء ببأسهم وقوتهم، وقد علمتم أن الله عز وجل كفى الصالحين في كل زمان أمر أعدائهم، فمنهم من دعا الله عز وجل عند الشدائد فاستجاب له بلا حرب، وأظهر الآيات العظيمة في معونتهم وكفايتهم، فبلغوا بذلك ما لم يكونوا يبلغون إليه بحولهم وقتهم، ومنه من حارب الأعداء واستعان بالله عز وجل فأعانه على عدوه وظفره به، ولم يفعل الله مثل ذلك مع العصاة ليظهر فضيلة الصالحين، اعتبروا بأبيكم إبراهيم عليه السلام لما أخذ فرعون امرأته أمل يضرب الله فرعون وأهله بالبلاء العظيم حتى خضع فانكسر ورد امرأة إبراهيم عليه السلام وهي سليمة، ثم أحسن إليه وأكرمه، فهل قدر إبراهيم عليه السلام على ذلك بالسيف والمحاربة أو بالصلاح والدعاء إلى الله عز وجل ؟ وكذلك فعل الله مع
٣٥٥