ولما انقضى ذلك، كان كأنه قيل : أما لهذه المرة من كرة كالأولى ؟ فأطمعهم بقوله سبحانه تعالى :﴿عسى ربكم﴾ أي الذي عودكم بإحسانه ﴿أن يرحمكم﴾ فيتوب عليكم ويكرمكم ؛ ثم أفزعهم بقوله تعالى :﴿وإن عدتم﴾ أي بما نعلم من دبركم إلى المعصية مرة ثالثة فما فوقها ﴿عدنا﴾ أي بما تعلمون لنا من العظمة، إلى عذابكم في الدنيا، وقد عادوا غير مرة بما أشار إليه الكلام، وإن كان في سياق الشرط، ليظهر الفرق بين كلام العالم ويغره، وأشار إلى ذلك قوله في التوراة عقب ما مضى : وإذا تمت عليك هذه الأقوال كلها والدعاء واللعن الذي تلوت عليك فتب في قلبك وأنت متفرق بين الشعوب التي يفرقك الله فيها، واقبل إلى ربك واسمع قوله، واعمل بجميع ما آمرك به اليوم أنت وبنوك من كل قلبك، فيرد الرب سبيك ويرحمك، ويعود فيجمعك من جميع الشعوب التي فرقك فيها، وإن كان المبددون يا آل إسرائيل في أقطار الأرض يجمعك الله ربك من هناك ويقربك من ثم ويردك إلى الأرض التي ورثها أبوكم وترثون، وينعم عليكم وتكثرون أفضل من آبائكم، ويختن الله الرب قلبوكم وقلوب نسلكم إلى الأبد، تتقون الله ربكم من كل قلوبكم وأنفسكم لما يريحكم وينعمكم وينزل الله كل إسحاق عليه السلام لما أخذ أبيمالخ ملك فلسطين امرأته، وقد علمتم أن موسى عليه السلام لم يستظهر على فرعون وعساكر المصريين حتى هلكوا وتخلصت أمة بني إسرائيل منهم بحرب ولاعدة، بل بالدعاء وكفاية الله له، ولما حارب عماليق بني إسرائيل هل غلبوه إلا بدعاء موسى عليه السلام وصلاته ؟ ويوشع بن نون عليه السلام لماعبر الأردن مع بني إسرائيل قد كان في جميع كبير وقة فهل فتح يريحا بالحرب أو بالآية العجيبة في سقوط الحصن ؟ ولما أخطأ عاخان بما أخذه من يريحا من الغنيمة التي نهى الله عنها بني إسرائيل ألم يسخط اللهعلى الأمة بسببه حتى غلبهم أهل مدينة عاي وهم قليل، فلم يقدر بنو إسرائيل مع كثرتهم على مقاومتهم إلى أن صلى يوشع بن نون عليه السلام