ولما انقسم الناس إلى مهتد به وضال، أتبع ذلك بيانه، وكان التعبير عن حالهما بالبشرى في قوله تعالى :﴿ويبشر المؤمنين﴾ أي الراسخين في هذا الوصف، ولهذا قيدهم بياناً لهم بقوله تعالى :﴿الذين﴾ يصدقون إيمانهم بأنهم ﴿يعلمون﴾ أي على سبيل التجديد والاستمرار والبناء على العلم ﴿الصالحات﴾ من التقوى والإحسان ﴿أن لهم﴾ أي جزاء لهم في ظاهرهم وبواطنهم ﴿أجراً كبيراً*﴾ إشارة إلى صلاح هذه الأمة وثباتهم على دينهم وأنه لا يزال أمرهم ظاهراً كما كان إنذار كتاب موسى عليه السلام قومه إشارة إلى إفسادهم وتبديلهم دينهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٤
ولما بشرهم بما لهم في أنفسهم، أبتعه ما لهم في أعدائهم فقال تعالى :﴿وأن﴾ أي ويبشر المؤمنين أيضاً بأن ﴿الذين لا يؤمنون﴾ أي لا يتجدد منهم إيمان ﴿بالآخرة﴾ حقيقة أو مجازاً، المسبب عنه أنهم لا يعلمون الصالحات حقيقة لعدم مباشرتها، أو مجازاً ببنائها على غير أساس الإيمان ؛ وعبر بالعتاد تهكماً بهم، فقال تعالى :﴿أعتدنا﴾ أي أحضرنا وهيأنا ما هو في غاية الطيب والنفاسة والملاءمة على سبيل الوعد الصادق الذي لا يتخلف بوجه، وهو مع ذلك منظور إليه، لعظمتنا ﴿لهم﴾ من عندنا بواسطة المؤمنين أو بلا واسطة.
ولما استشرف الأعداء إلى هذا الوعد استشرف المغتبط المسرور، أتاهم في تفسيره بما خلع قلوبهم على طريقة " تحية بينهم ضرب وجيع " وسر قلوب الأولياء سروراً عظيماً، فقال تعالى :﴿عذاباً أليماً*﴾ فإنه لا بشرى لذوي الهمم أعلى ولا أسرمن الانتقام من مخالفيهم، فصار فضل الكتاب على الكتاب كفضل الذهاب على الذهاب، وحذف المؤمنين الذين لا يعلمون الصالحات، لتمام البشارة بالإشارة إلى أنهم من القلة في هذه الأمة الشريفة بحيث لا يكادون أن يوجدوا.