ولما كانا أيضاً يدلان على حساب المطالع والمغارب، والزيادة والنقصان، وغير ذلك من الكوائن، لمن أمعن النظر، وبالغ في الفكر، قال تعالى :﴿والحساب﴾ أي جنسه، فصلناهما لذلك على هذا الوجه المتقن بالزيادة والنقصان، وتغير الأحوال في أوقات معلومة، على نظام لا يختل على طول الزمان مقدار ذرة، ولا ينحل قيس شعرة إلى أن يريد الله خراب العالم وفناء الخلق، فيبيد ذلك كله في أسرع وقت وأقرب زمن، ولولا اختلافهما لا ختلطت الأوقات وتعطلت الأمور ﴿وكل شيء﴾ غيرهما مما تحتاجون إليه في دينكم أو دنياكم ﴿فصلناه﴾ أي بعظمتنا، وأزلنا ألباسه، وأكد الأمر تنبيهاً عل تمام القدرة، وأنه لا يعجرزه شيء يريده، فقال تعالى :﴿تفصيلاً*﴾ فانطروا بأبصاركم وبصائركم، وتتبعوا في علانياتكم وسرائركم، وتجدوا أمراً متقناً ونظاماً محكماً ﴿ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير﴾ [الملك : ٤].
ولما كان هذا أمر دقيقاً جداً، أتبعه ما هو أدق منه وأغرب في القدرة والعلم من تفاصيل أحوال الآدميين، بل كل مكلف بعضها من بعض من قبل أن يخلقهم، فقال تعالى :﴿وكل إنسان﴾ أي من في طبعه التحرك والاضطراب ﴿ألزمناه﴾ أي بعظمتنا ﴿طائره﴾ أي عمله الذي قدرناه عليه من خير وشر، ولعله عبر به لأنهم كانوا لا يقدمون ولا يحجمون في المهم من أعمالهم إلا بالطائر فيقولون : جرى لفلان الطائر بكذا.